منذ ستين عاماً، أقر "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" مجموعة كبيرة من الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن يتمتع بها كل إنسان دون تمييز، ومن بينها الحق في حرية التعبير وفي عدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة، وكذلك الحق في التعليم وفي المأوى الملائم وغير ذلك من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتمثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فئة واسعة من الحقوق الإنسانية التي يكفلها "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" وغيره من مواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية الملزمة قانوناً.
ولا تكاد توجد دولة في العالم ليست طرفاً في وحدة على الأقل من المواثيق الملزمة قانوناً التي تكفل هذه الحقوق، ومن بينها:
الحق في العمل، وخاصةً الحق في شروط توظيف عادلة ونزيهة، والحماية من العمل القسري أو الإجباري، والحق في تشكيل نقابات والانضمام إليها؛
- الحق في التعليم، بما في ذلك ضمان أن يكون التعليم في المرحلة الأولية إلزامياً وبالمجان، وأن يكون التعليم متاحاً ومقبولاً بشكل ملائم بالنسبة لكل فرد؛
- الحقوق الثقافية للأقليات والسكان الأصليين؛
- الحق في الحصول على أعلى مستوى يمكن بلوغه للصحة البدنية والعقلية، بما في ذلك الحق في التمتع بظروف معيشة صحية، والحق في الحصول على خدمات صحية ملائمة ومقبولة وذات مستوى؛
- الحق في الحصول على مأوى ملائم، بما في ذلك الحق في ضمان الملكية، والحماية من الإجلاء القسري، والحق في الحصول على مأوى صالح للسكن بتكاليف محتملة وفي موقع مناسب وأن يكون ملائماً ثقافياً؛
- الحق في الحصول على الغذاء، بما في ذلك الحق في التحرر من الجوع، والحق في الحصول في كل الأوقات على غذاء ملائم أو على سبل الحصول عليه؛
- الحق في الحصول على المياه، ويعني الحق في الحصول على ما يكفي من المياه والمرافق الصحية، على أن تكون متاحة وميسرة (مادياً واقتصادياً) وآمنة.
تتحمل الدول، أي الحكومات الوطنية، المسؤولية الأولى عن جعل حقوق الإنسان حقيقة ملموسة. ويجب على الحكومات إحترام حقوق الأفراد، أي أنه يتعين عليها ألا تنتهك هذه الحقوق. ويجب على الحكومات حماية حقوق الأفراد، أي ضمان ألا تُنتهك هذه الحقوق من جانب أشخاص آخرين أو هيئات أخرى. وأنها يجب أن تفي بحقوق الشعوب ، وجعلها حقيقة واقعة في الممارسة.
وتتباين الحكومات إلى حد كبير في الموارد المتاحة لها، ويقر القانون الدولي بأن جعل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واقعاً ملموساً هو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا بشكل تدريجي على مر الزمن.
ومع ذلك، فإن واجب الحكومات في احترام هذه الحقوق وحمايتها وفي ضمان التحرر من التمييز هو أمر ملح. ولا يمكن التعلل بالافتقار إلى الموارد للتنصل من هذا الواجب.
وبالرغم من أن الحكومات قد تحتاج إلى وقت لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن هذا لا يعني أنه ليس بوسعها عمل أي شيء، إذ يتعين عليها اتخاذ خطوات من أجل إعمال هذه الحقوق.
وتتمثل أولى هذه الخطوات في منح الأولوية لتحقيق "الالتزامات الأساسية الدنيا"، أي توفير الحدود الدنيا الأساسية لكل حق من تلك الحقوق. ففيما يتعلق بحق التعليم، على سبيل المثال، تتمثل الالتزامات الأساسية الدنيا في ضمان الحق في التعليم الأولي بالمجان.
وينبغي على الحكومات ألا تلجأ إلى التمييز في قوانينها أو سياساتها أو ممارساتها، ويجب عليها إعطاء الأولوية للفئات الأشد ضعفاً عند تخصيص الموارد.
كما تقع على الحكومات التزامات باحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحمايتها وإعمالها خلال الأنشطة التي تقوم بها خارج حدودها. وتمتد هذه الالتزامات إلى الإجراءات التي تتخذها الحكومات من خلال المؤسسات الحكومية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وينص "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" على وجود التزامات في مجال حقوق الإنسان تقع على عاتق "جميع أفراد المجتمع وهيئاته". وتلعب الشركات بشكل متزايد دوراً مهماً على المستوى العالمي في إعمال حقوق الإنسان أو إهدارها. وتسعى منظمة العفو الدولية إلى إخضاع الشركات للمحاسبة إذا أسفرت أنشطتها عن انتهاكات لحقوق الإنسان.
وبالرغم من الضمانات الدولية لهذه الحقوق، فإن العالم يشهد الحقائق التالية:
- هناك 923 مليون شخص يعانون من الفقر المزمن. وكثيراً ما ينجم الجوع عن انتهاكات حقوق الإنسان، مثلما وثقت منظمة العفو الدولية في كوريا الشمالية وزمبابوي وغيرهما. وقد أدت أزمة الغذاء الحالية في العالم، والتي زادت انتهاكات حقوق الإنسان من تفاقمها، إلى إضافة 75 مليون شخص آخرين إلى أولئك الذين يعانون من سوء التغذية المزمن.
- هناك أكثر من مليار شخص يعيشون في "أحياء الفقراء" أو في مستوطنات عشوائية، وهناك واحد من كل ثلاثة من سكان المدن يعيشون في مساكن غير ملائمة لا تتوفر فيها المرافق الأساسية أو لا يتوفر سوى أقل القليل منها. ويزداد الوضع سوءاً بسبب عمليات الإجلاء القسري المتفشية على نطاق واسع في العالم.
- في كل دقيقة، تموت امرأة بسبب المشاكل المتعلقة بالحمل. ومقابل كل امرأة تموت هناك 20 امرأة أو أكثر يعانين من مضاعفات أخرى خطيرة.
هناك أكثر من 100 مليون طفل (وأكثر من نصفهم من الإناث) لا تتوفر لهم سبل الحصول على التعليم الأولي.