المتنبي و كافور الإخشيدي:
الشخص الذي تلا سيف الدولة الحمداني أهمية في سيرة المتنبي هو كافور الإخشيدي. فقد فارق أبو الطيب حلباً إلى مصر وفي قلبه غضب كثير، وكأنه يضع خطة لفراقها ثم الرجوع إليها كأمير عاملاً حاكماً لولاية يضاهي بها سيف الدولة، ويعقد مجلساً يقابل سيف الدولة. من هنا كانت فكرة الولاية أملا في رأسه ظل يقوي. دفع به للتوجه إلى مصر حيث (كافور الإخشيدي) الذي يمتد بعض نفوذه إلى ولايات بلاد الشام. و كان مبعث ذهاب المتنبي إليه على كرهه له لأنه طمع في ولاية يوليها إياه. و لم يكن مديح المتنبي لكافور صافياً، بل بطنه بالهجاء و الحنين إلى سيف الدولة الحمداني، فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً *** وحسب المنايا أن يكن أمانيا
و كان كافور حذراً، فلم ينل المتنبي منه مطلبه، بل إن وشاة المتنبي كثروا عنده، فهجاهم المتنبي، و هجا كافور و مصر هجاء مرا ومما نسب إلى المتنبي في هجاء كافور:
لا تشتري العبد إلا والعصاة معه *** إن العبيد لأنجاس مناكيد
لا يقبض الموت نفسا من نفوسهم *** إلا وفي يده من نتنها عود و استقر في عزم أن يغادر مصر بعد أن لم ينل مطلبه، فغادرها في يوم عيد، و قال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور و حاشيته، و التي كان مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد لم يكن سيف الدولة وكافور هما من اللذان مدحهما المتنبي فقط، فقد قصد العراق وفارس، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز و ذالك بعد فراره من مصر إلى الكوفة ليلة عيد النحر سنة 370 ه.
مقتله:
كان المتنبي قد هجا ضبة بن يزيد الأسدي العيني بقصيدة شديدة مطلعها:
ما أَنصفَ القومُ ضبّه *** وأمّه الطُرطُبَّه فلما كان المتنبي عائدًا يريد الكوفة، وكان في جماعة منهم ابنه محسد وغلامه مفلح، لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي ، وهو خال ضبّة، وكان في جماعة أيضًا. فاقتتل الفريقان وقُتل المتنبي وإبنه وغلامه بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربيّ بغداد.