اخبار الجزائر 11-12-2014 فرنسا تنتظر "انقراض" جيل الثورة.. والجزائر تنتظر الاعتراف بجرائم الاستعمار!
تعيش العلاقات الجزائرية الفرنسية واحدة من أزهى فتراتها، وحتى في بعض الأوقات العصيبة التي مرت بها، على غرار ما حدث في 2005 عندما صادق البرلمان الفرنسي على قانون تمجيد الاستعمار المثير للجدل، لم تتوقف عجلة هذه العلاقات، بل إن الاقتصادية منها بقيت تسير وتتوثق.. ففي مصلحة أي من البلدين يصبّ هذا التوجه؟ وهل المنطق البراغماتي في هذه الحالات محبذ؟ وهل لا بد من ربط تطوير العلاقات باعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها "الملف السياسي" لهذا الخميس.
"تعاون ثنائي" بدل "علاقات ثنائية" بين الجزائر وفرنسا
تجارة نشيطة.. وملفات مسمومة
يعكس التصريح الذي صدر عن وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسي، لوران فابيوس، من وهران والذي قال فيه إن التعاون الجزائري الفرنسي يشهد "لحظات إيجابية للغاية"، مدى التناغم الذي يطبع محور الجزائر باريس.
ويعتبر ما جاء على لسان فابيوس، أدقّ توصيف للعلاقات الجزائرية الفرنسية في الوقت الراهن، لأن المسؤول الفرنسي، تحدّث عن "التعاون الثنائي" وليس عن "العلاقات الثنائية" التي هي أوسع بكثير من المصطلح الأول.
فالتعاون الاقتصادي والتجاري، بلغا مستويات لم يسبق لهما وأن وصلاها، لأن الجزائر ومن دون منازع، هي الزبون الأول لفرنسا، لكنها ليست كذلك على مستوى بقية الأوجه الأخرى للعلاقات الثنائية، وهو ما يجعل العلاقات في عمومها مختلة وغير منسجمة، ما يؤثر على ديمومتها وامتدادها.
الشركات الفرنسية استفادت من امتيازات استثمارية كبيرة، ومنها حتى من نجا من الإفلاس بفضل صفقات الجزائر، كما هي الحال مع مؤسسة "ألستوم"، التي حصلت في ظرف أقل من خمس سنوات، على صفقات في الجزائر بقيمة 13 . 3 مليار أورو، أنقذتها من مقصلة الاندثار، وغيرها من الشركات كثير.
وبفضل هذه الامتيازات تسيطر المنتجات الفرنسية على السوق المحلية، سيما في قطاع السيارات، الإسمنت، الدواء.. ومع ذلك لم تستفد الجزائر من إقامة مصنع فرنسي (صغير) للسيارات إلا قبل شهر من الآن، وبعد مفاوضات تجاوزت الاعتبارات الاقتصادية إلى البعد السياسي..
لكن بالمقابل، هناك ملفات أخرى لا تسير بذات التقدّم الذي تعيشه الملفات الاقتصادية، وفي مقدمتها وضع الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، والتي تعيش التهميش والعنصرية و"الحقرة"، فما يناهز الخمسة ملايين جزائري، حسب أرقام غير رسمية، لا يعاملون كفرنسيين وهم الذين يملكون وثائق هوية فرنسية.. وقد وقف الجميع على قرارات صادمة صدرت في حقهم، حرمتهم حتى من أبسط حقوقهم، كحق الاحتفال بفوز الفريق الوطني، مثلما حصل في المونديال الأخير.
كما لا يزال الجزائريون يشكلون طوابير طويلة عند أبواب القنصليات الفرنسية بالجزائر، للحصول على التأشيرة، بل إن الآلاف منهم يدفعون ما يناهز مليون سنتيم من أجل أن يحصلوا على الرفض في النهاية، وذلك بالرغم من التطمينات المتكررة للمسؤولين الفرنسين، ورغم الاتفاقيات المبرمة والتي أبرزها اتفاقية 1968 حول تنقل الأشخاص، التي لا تزال المفاوضات بشأنها تراوح مكانها منذ سنوات، فضلا عن تأكيد اتفاق الشراكة الموقع بين الجزائر والاتحاد الأوربي، الذي تعتبر فرنسا من أبرز دوله، على تسهيل تنقل الأفراد.
"أنانية" فرنسا في علاقاتها مع الجزائر، تجسدت أيضا من خلال حرمان الجزائريين الذين تضرروا من الإشعاعات النووية، جراء التجارب التي أجراها جيشها الاستعماري بجنوب البلاد في كل من رقان ووادي الناموس.. فبالرغم من إقدام باريس على سن قانون يتيح التعويض لهذه الفئة، إلا أنها لم تلبث أن وضعت شروطا تعجيزية مقابل الحصول على تعويضات.
وأكثر من كل ذلك، تضغط باريس على الجزائر من أجل تعويض الأقدام السوداء عن العقارات التي فرّوا منها بعد الاستقلال، وهو المطلب الذي لا يستند إلى أي أساس قانوني أو أخلاقي، لا سيما بعد حكم محكمة حقوق الإنسان الأممية بجنيف، التي رفضت طلب تعويض لمعمر فرنسي من وهران، واعتبرت حكمها اجتهادا لقضايا قد ترفع مستقبلا بهذا الخصوص.
أستاذ التاريخ بجامعة وهران البروفيسور رابح لونيسي:
"فرنسا تعتقد أنها منبع حقوق الإنسان ولذلك تتستر على جرائمها"
يعتقد أستاذ التاريخ في جامعة وهران، البروفيسور رابح لونيسي، أن "تغاضي" فرنسا عن جرائمها الاستعمارية، إنما يحركه هاجس الخوف من زيف الاعتقاد السائد بأنها "منبع حقوق الإنسان" في العالم.
ما الذي يحكم حقا العلاقات الجزائرية الفرنسية؟
لا يمكن أن نتحدث عن هذه العلاقات إلا على مستويين، فهناك المستوى الشعبي تتحكم فيها فعلا الذاكرة، لكن على المستوى الرسمي تتحكم فيها الموازين والمصالح السياسية والاقتصادية، فالعلاقات على المستوى الرسمي كانت دائما جيدة نوعا ما منذ استرجاع الاستقلال، لكن في بعض الأحيان السلطات الرسمية في الجزائر تغازل الشعب فقط عند إثارة مسائل الذاكرة، ونفس الأمر في فرنسا فالسلطة هناك تغازل لوبيات الأقدام السوداء لأغراض انتخابية.
في رأيك.. لماذا لم تطالب الجزائر فرنسا بدفع تعويضات؟
لا يختلف اثنان في بشاعة أي استعمار كان، وليس الفرنسي فقط، فالاستعمار ذاته جريمة يجب أن نعمل بالتنسيق مع الدول المستعمرة الأخرى لتجريمه دوليا وفي كل المواثيق الدولية كي لا تتكرر الظاهرة مرة أخرى، لكن المفارقة عندنا هي أن المجرم يطالب بالتعويض من الضحية، طبعا فالأمر يدخل في إطار سياسة معروفة وهي الهجوم بدل الدفاع باستغلال ظرفين هما: الضعف الذي يدب في الجزائر وحاجة عناصر من السلطة في الجزائر إلى الدعم الفرنسي في إطار صراع داخل النظام الجزائري ذاته حول خلافة بوتفليقة، إضافة إلى رغبة هولاند في مغازلة لوبي الأقدام السوداء في فرنسا التي تلعب دورا معتبرا في الانتخابات الفرنسية خاصة في جنوبها، ولا ننسى أن شيراك قد خضع لها في استصدار قانون 23 فيفري 2005 الذي يمجد الاستعمار رغم توطيده علاقاته مع الجزائر آنذاك.
ما الذي يحول دون مطالبة الجزائر بتعويض من فرنسا؟
علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا، فحتى تجريم الاستعمار عجزنا عنه فكيف نطالب بتعويضات لأموال وممتلكات نهبت من أجدادنا، وحتى ما تطالب به فرنسا فهو في الحقيقة كان هذه الممتلكات المنهوبة من أجدادنا ، فأنا لا أذهب إلى هذا الطرح الذي يطالب بالتجريم، لأنه أصبح حسب ما يبدو مجرد سجل تجاري يستخدم من بعض السياسيين عندنا، لكن في الواقع هناك أمور أخرى تحت الطاولة، فيجب أن تتحول القضية إلى قضية شعب، وليس سياسيين البعض منهم مجرد انتهازيين أفقدوا هذا المطلب جديته.
ما الفرق بين إيطاليا وليبيا وبين فرنسا والجزائر، حيث اعترفت وعوضت إيطاليا مستعمرتها القديمة؟
هناك اختلاف، ففرنسا تعتقد أنها منبع حقوق الإنسان، ولهذا يصعب عليها أن تعترف بأنها قامت بجرائم ضد الإنسانية لأن ذلك يناقض مرجعيتها التأسيسية وهي ميثاق الحريات وحقوق الإنسان الذي أصدرته عام 1792 أي بعد الثورة الفرنسية، كما أنها قوية اقتصاديا على عكس إيطاليا التي كانت في حاجة إلى ليبيا عندما اعترفت بجرائمها وقامت بتعويضات، وحتى اليوم الشركات الفرنسية المهددة بالإفلاس تحتاج إلى الجزائر لإنقاذ نفسها، لكن لم نستغل تلك الحاجة على مستوى الذاكرة أي الاعتراف بجرائمها، بل استغلت لأغراض سلطوية في الجزائر من طرف عناصر من داخل النظام كما سبق أن أشرت آنفا.
الدبلوماسي ووزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي:
فرنسا تعتبر الجزائر سوقا لمنتجها و"دركيا" في خدمتها بالساحل
يرى الدبلوماسي ووزير الاتصال الأسبق، عبد العزيز رحابي، أن فرنسا تحاول من خلال تبني مبدإ "فتح صفحة جديدة مع الجزائر"، وسعيها إلى تطوير العلاقات بين البلدين إلى تحقيق مصالح اقتصادية فورية، كما تريد منها أن تلعب دورا إقليميا لتأمين مصالحها ونفوذها في منطقة الساحل.
وأكد رحابي، في تصريح لـ"الشروق"، أن العلاقات الفرنسية الجزائرية تشهد فعلا انتعاشا ملحوظا منذ وصول فرانسوا هولاند إلى قصر الإليزيه، باعتبار أن هولاند الذي خصص أول زيارة له خارج الاتحاد الأوروبي للجزائر في ديسمبر 2012، ذلّل العراقيل والخلافات بين الطرفين، وعبّد الطريق نحو شراكة اقتصادية استثنائية بين البلدين بعد أن عرفت العلاقات الثنائية نوعا من الجمود إبان فترة الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، وقبله جاك شيراك، من خلال إبرام اتفاقيات تعاون من أجل إرساء حوار سياسي منتظم وتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، متجاوزين عقبة الذاكرة التاريخية المثخنة ووضع الجالية الجزائرية، في سبيل تحقيق المصالح المشتركة للدولتين.
وفي ردّه على سؤال عمّ تريد فرنسا من الجزائر..؟ قال رحابي: "إن باريس تريد من الجزائر أن تلعب دور الدركي لمحاربة الجريمة المنظمة والهجرة السرية وتجارة المخدرات والسلاح وكسر شوكة الإرهابيين المتنقلين عبر الحدود في منطقة تعرف فوضى أمنية عارمة، ودول الجوار غير قادرة على بسط سلطتها على أقاليمها".
وذكر أن "الجزائر تتوفر على إمكانات مادية وخبرة كافية في مكافحة الإرهاب الدولي، لا سيما وأنها تتميز بموقع استراتيجي مع حدود 7 دول، وبالتالي فهي مسؤولة عن تأمين شريط حدودها، مما يوفر الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، التي تعتبر منطقة نفوذ فرنسي"، يقول محدثنا.
ويضيف السفير الجزائري الأسبق في إسبانيا، أنه إلى جانب المجال العسكري، فإن المجال الاقتصادي يأخذ حصة الأسد في مصالح فرنسا في الجزائر، باعتبار "أن بلادنا سوق مفتوح للمنتج الفرنسي، وبالتالي، فإن هذا يخدم الاقتصاد والشغل في باريس، حيث تسعى سلطات الإليزيه إلى توقيع أكبر عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات في مجال الاستثمار، كون الجزائر من أهم الدول التي تحوز استثمارات مهمة في مختلف الميادين خاصة في قطاع النقل والأشغال العمومية والبناء"، إلى جانب لجوء الحكومة إلى استغلال الغاز الصخري على المدى البعيد باعتبارها من بين أهم الدول المتوفرة على خزان كبير، وهو ما من شأنه أن يسيل، حسب رحابي، "لعاب الشركات الفرنسية التي تواجه رفضا كبيرا بفرنسا من قبل جمعيات البيئة".
الأمين العام السابق للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء الطاهر بن بعيبش
الجزائر لم توظف الورقة الاقتصادية للضغط على فرنسا
رفض الأمين العام السابق للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، الطاهر بن بعيبش، الكيفية التي تتعاطى بها الجزائر في علاقتها مع فرنسا، واشترط الحصول على تنازلات من باريس، بخصوص جرائم الماضي الاستعماري، وكذا إعطاء اهتمام خاص بالجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، مقابل استفادتها من مشاريع اقتصادية وامتيازات في الجزائر.
وقال بن بعيبش: "العلاقات الجزائرية الفرنسية مرت منذ الاستقلال بتذبذبات، فأحيانا تمشي الأمور بشكل جيد، وأحيانا أخرى تحدث تشنجات وهذا بسبب الموقف الفرنسي، ونظرته الاستعلائية تجاه الجزائر".
ولم يستبعد الأمين العام السابق للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء إمكانية الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أعلى مستوى، وتكوين علاقات خاصة واستثنائية، بالنظر إلى الجسر الذي يربط بين البلدين والمتمثل في الجالية الجزائرية المهمة المقيمة في فرنسا، بحيث لا بد أن تأخذها هذه الأخيرة بعين الاعتبار، مقابل منحها أفضلية اقتصاديا، وفي هذا الإطار قال المتحدث: "العلاقات الجزائرية الفرنسية في المجال الاقتصادي ممتازة ولا مشكلة فيها، وعلى الجزائر أن تستغلها للحصول على تنازلات حتى يستفيد منها أبناؤنا هناك في فرنسا".
ولتحقيق ذلك- حسب بن بعيبش- يجب أن لا يكون الجانب التاريخي محل مزايدات، مضيفا: "الجزائر تكتب تاريخها وفرنسا تكتب تاريخها، وبما أن فرنسا ماضية في تمجيد الاستعمار وتبريره، فإنه لزام علينا أن نصدر قانونا لتجريم الاستعمار الفرنسي للأجيال القادمة"، وتساءل: "ماذا سنقول بعد 300 سنة للشاب الجزائري الذي سيجد نفسه محل مساومات من طرف الفرنسيين، وملايين الجزائريين ماتوا من دون مقابل... إنها جريمة في حق أبنائنا".
وأضاف الأمين العام السابق للمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء: "أنا لا ألوم فرنسا، بل ألوم النظام الحالي والأنظمة السابقة الخاضعة للطرف الفرنسي، حيث أصبح المسؤولون الفرنسيون يهينوننا في بلادنا، على غرار ما حدث مع كوشنير وساركوزي وغيرهما".
http://politics.echoroukonline.com/articles/198705.html