بحث حول حياة عثمان بن عفان بن أبي العاص ج3
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ولد في السنة الخامسة من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشب على الأخلاق الكريمة والسيرة الحسنة حييًا عفيفًا ولما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم كان عثمان من السابقين إلى الإسلام على يد الصديق رضى الله عنه وروجه عليه الصلاة والسلام بنته رقية فلما آذى المشركون المسلمين هاجر رضى الله عنه مع زوجه إلى بلاد الحبشة ثم رجع إلى مكة قبل الهجرة إلى المدينة فلما أذن الله بها هاجر إليها هو وزوجه
وحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مشاهده وكنه لم يحضر بدرًا لشغله بتمريض زوجه التي ماتت عقب انتصار المسلمين فيها وأسهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنيمتها ثم روجه بنته الثانية أم كلثوم وكان ممن عفا الله عنهم في أحد وكان عمرة الحديبية سفيرًا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فلما شاع غدرهم بعثمان بايع النبي أصحابه بيعة رضوان وقال بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان
وكان له في جيش العسرة إلى تبوك اليد الطولى فقد أنفق من ماله أكبر مما جاد به غيره واشترى بئر رومة بماله ثم تصدق بها على المسلمين فكان رشاؤه فيها كرشاء واحد منهم قال عليه الصلاة والسلام من حفر بئر رومة فله الجنة
ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان للخليفتين من بعده عاملاً أميناً ولما أصيب المسلمون بقتل عمر كانت أغلبية الشورى له فقام بأمر الخلافة خير قيام إلا أن في آخر مدته تغير بعض المسلمين عما كانوا عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والشيخين من بعده ودبت إليهم الدنيا وحبها وهو رأس كل خطيئة فقام عليه جماعة من بغاتهم فشتتوا شمل المسلمين بشق عصا الطاعة حتى تداعت أركان الخلافة وقتل ظلماً رضى الله عنه وقد جاوز الثمانين من عمره
وكان رجلاً ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الوجه رقيق البشرة يوجهه أثر جدري كبير اللحية عظيمها أسمر اللون أصلع عظيم الكراديس عظيم ما بين المنكبين يصفر لحيته وله من الأولاد عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وعمرو وخالد وأبان وعمر ومريم والوليد وسعيد وأم سعيد وعبد الملك وعائشة وأم عمر ومريم وعنبسة وأم البنين
كان عامل مصر في أول خلافة عثمان فاتحها عمرو بن العاص وفي السنة الثانية من خلافته كاتب الروم بالقسطنطينية إخوانهم بالإسكندرية داعين إلى نقض الصلح فأجابوهم إلى ذلك أما المقوقس فكان رجلا شريفا لم يخن عهده فسار إلى الإسكندرية جمع عظيم من الروم فأرسوا بها ولما بلغ ذلك عمرًا سار إليهم وسار الروم إليه فاقتتل الفريقان بين مصر والإسكندرية حتى انهزم الروم وتبعهم المسلمون حتى أدخلوهم الإسكندرية وقتلوا منهم في البلد مقتلة عظيمة وهدم عمرو سور المدينة
وفي هذه السنة سير عمرو عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف أفريقية سواحلها الشمالية من طرابلس إلى طنجة غازيًا بأمر عثمان ففتح وغنم ولما عاد استأذن عثمان في الغزو ثانية فأذن له وقال إن فتح الله عليك فلك خمس الخمس نفلا وأمر عبد الله بن نافع بن عبد القيس وعبد الله بن نافع بن الحصين على جند وأمرهما بالاجتماع مع عبد الله بن سعد فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر ووطئوا أرض أفريقية وكانوا في جيش كثير فيه عشرة آلاف من شجعان المسلمين فصالحهم ملك إفريقية على مال يؤدونه ولم يتوغلوا في أفريقية لكثرة أهلها فعاد عبد الله بن سعد إلى مصر فولاه عثمان خراجها وجعل عمرو بن العاص على الجند فلم يتفقا فجمع لابن سعد الخراج والجند وعزل ابن العاص
وعند ذلك استشار ابن سعد عثمان في غزو أفريقية والاستكثار لها من الجند فجهز إليه الجيوش من المدينة فسار بن سعد إلى أفريقية وكان ملكها من قبل الروم واسمه جرجير ملكه من طرابلس إلى طنجة وكان يؤدي أتاوة إلى ملك الروم فلما بلغه خروج المسلمين تجهز لهم والتقى بهم بمكان بينه وبين سبيطلة عاصمة الملك يوم واحد بعد أن راسله عبد الله يدعوه إلى الإسلام أو دفع الجزاء فأبى ودام القتال بينهم أياما يقتتلون كل يوم إلى الظهر ثم يعودون
وكان خبر المسلمين قد أبطأ على عثمان فأمدهم بجيش يرأسه عبد الله بن الزبير فلما وصلهم أشار على ابن سعد أن يقسم الجيش قسمين قسم يقاتل إلى الظهر ثم يخلفه الآخر حتى يهن المشركون فاتبع مشورته وأخرج القسم الأول فحارب إلى الظهر وأراد المشركون ترك القتال فلم يمكنهم بل استمر القتال بالقسم الثاني حتى ضعف المشركون وانهزموا شر هزيمة وقتل جرجير ملك إفريقية قتله عبد الله بن الزبير وفتحت المدينة
ثم بث السرايا فبلغت قفصة ففتحت وغنمت وسير سرية إلى حصن الأجم فحاصرته ثم فتحته صلحا ثم صالح ابن سعد أهل أفريقية على ألفي ألف وخمسمائة ألف دينار وأرسل إلى عثمان بالبشارة والأخماس وعاد هو من أفريقية وكان مقامه فيها سنة وثلاثة أشهر ولما وصل خمس مغنم أفريقية إلى المدينة اشتراه مروان بن الحكم ثم حط عنه عثمان ثمنه وولى على أفريقية عبد الله بن نافع بن عبد القيس وجعل ابن سعد على مصر فقط
في أول ولاية أمير المؤمنين عثمان بن عفان جمع الشام كله لمعاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية
وفي السنة الثانية من ولاية عثمان غزا معاوية الروم فبلغ عمورية ووجد الحصون التي بين طرطوس و أنطاكية خالية فجعل عندها جماعة كثيرة من أهل الشام والجزيرة ثم رجع وأغزى الصائفة يزيد بن الحر العبسي ففعل مثل معاوية
وفي هذه السنة أمره أمير المؤمنين أن يغزي حبيب بن مسلمة أرمينية فوجهه إليها فأتى قاليقلا وحاصرها وضيق على أهلها فطلبوا الصلح على الجلاء لم أراد والجزية على من أقام فأجابهم وأقام حبيب بها شهرًا ثم بلغه أن بطريق أرمينيا قس قد جاء إلى حربه في ثمانين ألفا فأرسل إلى عثمان بالخبر فبعث إلى الوليد بن عقبة أمير الكوفة أن يمده فأمده بسلمان بن ربيعة في ثمانية آلاف كما قدمنا
وأجمع حبيب ومن معه رأيهم على تبييت الروم فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية فقالت أين موعدك غدًا؟ فقال سرادق الموريان ثم بيتهم فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم أتى السرادق فوجد امرأته قد سبقته إليه فكانت أول امرأة عربية ضرب عليها حجاب سرادق ثم عاد حبيب إلى قاليقلا ثم سار منها ونزل مربالا فأتاه بطريق خلاط بكتاب الصلح الذي كتبه له عياض بن غنم بلأمان فأجراه عليه ثم سار فلقيله صاحب مكس ـ وهي من البسفرجان ـ فقاطعه على بلاده
ثم سار إلى ازدشاط فحاصرها ثم صالح أهلها ثم أتى إليه بطريق البسفرجان فصالحه على جميع بلاده ثم سار إلى تفليس ففتحها وسار سلمان بن ربيعة إلى أران ففتح البيلقان صلحا على أن أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم الجزية على الرؤوس والخراج على الأرض ثم أتى مدينة برذعةن فعسكر على الثرثورن وهو نهر بينه وبينها فرسخ فقاتله أهلها أيامًا ثم صالحوه وفتح رساتيق البلاد ودعا أكراد البلاشجان إلى الإسلام فأبوا فقاتلهم وظفر بهم فأقر بعضهم على الجزية ودفع بعضهم الزكاة وهو قليل ثم سار إلى شمكور ففتحها ثم خربت بعده ثم عمرت في زمن المتوكل على العباسي وسميت المتوكلية ثم صالح جميع سكان البلاد التي هناك ورجع
وفي السنة الثامنة والعشرين فتح معاوية جزيرة قبرص وغزا معه كثير من كبار الصحابة فيهم أبو ذر وعبادة بن الصامت ومعه زوجة أم حرام بنت ملحان التي أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها في أول من يغزو في البحر
روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحك يا رسول الله؟ قال ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة يشك أيهما قال قالت فقلت يارسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى قالت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين
وكان معهم أبو الدرداء وشداد بن أوس وكان معاوية كثيرًا ما يتمنى غزو الروم في البحر زمن عمر بن الخطاب فلا يأذن له لأن فيه غررًا بالمسلمين ولما كان زمن عثمان أذن وقال لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه ففعل وسار من الشام إلى قبرص وأمده والي مصر عبد الله بن سعد بنفسه فاجتمعا عليها فصالحهم أهلها على سبعة آلاف كل سنة يؤدون إلى الروم مثلها لا يمنعهم المسلمون من ذلك وليس على المسلمين منعهم ممن أرادهم من وارئهم وعليهم أن يعلموا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم ويكون طريق المسلمين إلى العدو عليهم وفي هذه الغزوة ماتت أم حرام بنت ملحان الأنصارية سابقة الذكر؛ ألقتها بغلتها بجزيرة قبرص فماتت
واستعمل معاوية على غزو البحر عبد الله بن قيس الحارثي فغزا خمسين غزوة من بين صائفة وشاتية في البر والبحر لم يغرق أحد من جيشه ولم ينكب ثم خرج مرة في قارب طليعة فانتهى لمرفأ من الروم فنذروا به فجاءوا فقتلوه
وفي السنة الثلاثين شكا معاوية أبا ذر لعثمان وكان مذهب أبي ذر أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يوم أو ليلة أو شئ ينفقه في سبيل الله أو يعده للتكريم مستدلا بقوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب إليم34 يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون35 [ التوبة 34 35 ] ويميل إلى هذا المذهب مذهب الاشتراكيين الآن فكان أبو ذر رحمه الله يقوم بالشام ويقول يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من النار تكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم حتى أولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء فشكا الأغنياء ما يلقونه منه إلى معاوية فكتب في شأنه إلى عثمان فأرسل إليه سيره إلى
فلما قدم المدينة ورأى المجالس في أصل سلع قال بشر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار ولما دخل على عثمان قال له ما لأهل الشام يشكون ذرب لسانك فأخبره فقال يا أبا ذر على أن أقضي ما على وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد وما على أن أجبرهم على الزهد فقال أبو ذر لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ويصلوا القرابات ثم طلب من عثمان أن يأذن له بالخروج من المدينة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك إذا بلغ البناء سلعًا فسيره إلى الربذة فبنى بها مسجدًا وأقطعه عثمان قطعة من الإبل وأجرى عليه العطاء فأقام أبو ذر منفردًا حتى أدركه الأجل المحتوم