مد لله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَالصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وأشهد أن لا إله إلا الله، أمرنا بالصدق ونهانا عن الكَذِب، ووعد الصادقين جنَّاته وجزاءه العظيم، فقال: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُالصَّادِقِينَبِصِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 24]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، وجهنا إلى كلِّ فضيلة، وحذَّرنا من كل رذيلة، ووصَفه ربه في القرآن قائلاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين صدَقوا ما عاهَدوا الله عليه، فكانوا في مقعد صِدْق عند مليك مقتدر.
أما بعد، فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واتقوا اليوم الآخِر، فمَن اتقى الله تعالى بادَر إلى طاعته واجتنَب منهيَّاته، ومَن اتقى اليوم الآخِرَ خاف مِن عقابه، وطمِع في ثوابه.
ألا وإن مما يجب أن يَحذَره المسلم: الكذبَ والتحيُّل على أخْذ الأموال والحصول عليها من الأفراد وبيت المال، فكل ذلك حرام لا يَصِح الاستيلاءُ على شيء منه إلا على الوجه الشرعي ببيع، أو هِبة، أو قَرْض، أو بَذْل صدقة، أو إعطاء في مقابل عمل، أو دون مقابل، سواء أعطيت الفرد بنفسه، أو أنها وضعتْ شروطًا لمن يستحقُّ الأخذ كالضمان الاجتماعي، والتعويضات مقابل التالفات بسب هدْم أو حريق أو غير ذلك.
وما جعلته الدولةُ من الشروط لقَرْض البناء عن طريق بنك التنمية العقاري يجب أن يتقيَّد المسلم بهذه الشروط ويَصدُق فيها، فالصدق هداية إلى النجاح والفلاح، والكذب هداية إلى الفجور والهلاك والخُسران، فيحرم الكَذِب في قوله: ليس لي بيت، والحقيقة أنه له بيت، وأن يعطي لأحد أولاده أرضًا؛ ليأخذ من البنك باسمه قرضًا؛ لأن ذلك يترتَّب عليه كثير من المفاسد، منها: أنه لم يَعدِل بين أولاده، ومنها: إحداث النِّزاع والشِّقاق بين الولد وأبيه؛ لأنه ربما يطمع فيه بعد ذلك، ومنها: أنه يأخذ باسم ولده فيحول بينه وبين الأخذ باسمه مرة أخرى، كما يحرم على المسلم أن يُطلِّق زوجته؛ ليتحيَّل على اقتراضها من البنك، مثلما يَحرُم عليها ذلك إذا وافقته، كما يَحرُم على المسلم أن يُقرِّر أنه متزوِّج من أجل إعطائه قرضًا يبني به، ويحرم كذلك اشتراك اثنين في صكٍّ واحد، وهو في الحقيقة لواحد فقط، وكل ذلك يا عباد الله كَذِب وحرام، ويُسمَّى غُلولاً، والتحيل على الأخذ من بيت المال من غير طريقة مشروعة وهو ما يُسمَّى بالغُلول، ولا يقبل الله تعالى صدقة من غلول.
كيف بك أخي المسلم وأنت سوف تتصدَّق وتُصلِّي وتُطعِم أولادك وزوجاتك، وتَصِل أرحامك وأقاربك، وتُكرِم صديقك وضيفك، من هذا المال غير المشروع؟!
والله، إنك لمسؤول يوم القيامة، ومُعرَّض لخطر الفقر والعقوبات في الدنيا، ولا يُخلِّصك بأن تقول: إنه مال الدولة أو من بيت المال ولي حقٌّ فيه، فليس يا أخي المسلم لكل فرد حق، فمن الناس من له الحق، ومنهم من ليس له ذلك، ثم إن من له حق لا يجوز أن يأخذه من غير إذنِ مَن له الولاية؛ فالله تعالى ولاه ووكل إليه تصريفه، فلا يجوز لأحد أن يأخذ من المال إلا فيما جعل له في مقابل عمل قام به، أو أعطى إياه شخصيًّا، أو انطبقت عليه شروط المقترضين المستفيدين، ولست يا أخي مسؤولاً عن تصرُّف ولي الأمر في تصريف هذه الأموال، فالمسؤولية مسؤوليته؛ فإن أحسن التصرفَ فله ولرعيَّته، وإن أخطأ فالذنب عليه وجزاؤه على الله تعالى، وواجبنا أن ندعو له بالتوفيق والسداد والرَّشاد في الأقوال والأفعال.
أيها المسلمون، يجب على كل مسلم منا أن يُحسِن النية، وألا يَشغَل ذِمَّته بشيء من الأموال إلا بطريقة مشروعة، وأن ينوي الوفاء، ويسأل الله تعالى التيسير، ويتحمَّل الله تعالى عنه يوم القيامة إذا عجز عن التسديد، والويل لمن تحيَّل على أخْذ الأموال وساءت نيته في السداد والوفاء؛ ففي الحديث الصحيح: ((مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدَّى الله عنه، ومَن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله)).
فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن المال ظلٌّ زائل، والملك لله - تبارك وتعالى - يُورِثه من يشاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.