حينما تعرف الإنسان بأنه كائن عاقل فهذا التعريف يبقى عاما و مجردا و هو ينطبق على الإنسان كنوع من أنواع الكائنات ااحية فنميزه عنها بهذه الصفة لكن التجربة اليومية تبين أن أفعال الناس و سلوكاتهم يتقاسمها العقل و اللاعقل و لهذا المعنى قال إريك فايل: [ إن كان الإنسان عاقلا فالناس ليسوا عقلاء ]، فالعقل و اللاعقل يتقاسمان أفعال الناس و علاقاتهم فيما بينهم. و لقد حاول فريدريك نيتشه أن يبين أن العقل ليس سوى قوة نوظفها لحفظ الحياة و من ثم فإن المعرفة ينتجها العقل تشكل جزءا من الحياة ذاتها غير أنه نشأ وهم بأن العقل معارض للحياة و أنه منتج للمعرفة و الحقيقة و القيم الأخلاقية المعارضة للأهواء و الغرائز في حين أن العقل لا ينتج حقائق بقدر ما سينتج أوهاما و أخطاء ثبت نفعها في معركة الصراع من أجل البقاء.
إن الوهم ناتج عن مصدرين أساسيين هما الاعتقاد بإمكانية إنتاج الحقيقة من خلال الاعتماد على اللغة ثانيهما الرغبة في العيش في أمن و سلام و لهذا فالإنسان لا يوظف عقله من أجل قول الحقيقة و كشفها بل إنه يعمل على إخفائها رغبة في تفادي الصراع مع الآخرين.
و في نفس السياق حاولت مدرسة التحليل النفسي مع سيغموند فرويد أن تبين أن العقل ليس سوى جزء منفصل عن اللاعقل (منطقة اللاشعور) حيث تجري مختلف العمليات اللاشعورية التي تكشف عن نفسها في صور و أشكال تبدو لاعقلية كالأحلام و الهذيانات، و لكن التحليل النفسي يظل وحيا للعقل من خلال محاولته كشف المعقولية وراء لامعقولية الأحلام.
إن المختل عقليا حسب تصور فرويد ليس ذاك الإنسان الغير عاقل بل إنه شخص فقد مبدأ مراعاة الواقع كمبدأ السببية و التمييز بين الممكن و المستحيل و المناسب و الغير مناسب. إن الأهواء و الرغبات لا تقصي العقل بل إنها توظفه بشكل مفرط في الدقة و الذكاء و هذا ما تدل عليه مختلف الإبداعات الفنية سواء في مجال الشعر أو الروايات الأدبية.
إن العقل يوظف الخيال في إعادة رسم خريطة الواقع و إعادة تشكيله في صور تفسح المجال أمام تجريب الممكن، فالروايات الأدبية توظف الخيال بصورة مفرطة في الذكاء، فالعقل يمتـزج بالعاطفة و الوجدان فينتـج روائـع أدبية إبداعية لا تقـل قيمة عن إبـداعات العقـل المنطقي و لكن العقل قد يساء استخدامه حينما يتم تحويله إلى قوة قمعية.