من أحكام العيد
سبب تسمية العيد
العيد لغة: لما يعود ويتكرّر مرّة بعد أخرى. ويعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان، من العوْد، وهو الرجوع، والمعاودة، والاعتياد اسم مصدر من عاد يعود، ثم صار علماً على اليوم المخصوص لعوده في السنة مرتين.
والجمع أعياد، ويقال: عيَّد المسلمون، أي شهدوا عيدهم.
وقد سمي العيد بذلك لأن لله _ تعالى _ فيه عوائد الإحسان من الفطر بعد المنع من الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط.
قال السيوطي: (وهي من خصائص هذه الأمة)([1]).
وتشريع العيدين من رحمة الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فعن أنس _رضي الله عنه _ قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بِهما خيراً منهما، يوم النحر ويوم الفطر([2]).
الغسل يوم العيد
يستحب أن يتطهّر بالغسل للعيد، لأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة؛ فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه([3]).
روى نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى([4]).
وقال الإمام سعيد بن المسيب: (سنة الفطر ثلاث المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال)([5]).
وقال ابن القيم: (وكان يغتسل للعيدين صح الحديث فيه. وقد ثبت عن ابن عمر مع شدة إتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه)([6]).
الأكل يوم العيد
السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، لما ثبت عن أنس _ رضي الله عنه _ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات)([7]).
وعن بريدة _ رضي الله عنه _ قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع فيأكل من نسيكته)([8]).
وقد ذكر أهل العلم الحكمة من تقديم الأكل يوم الفطر على الصلاة، وتأخيره يوم الأضحى عنها. فقالوا: إن يوم الفطر يوم حُرِّم فيه الصيام عقيب وجوبه. فاستحب تعجيل الفطر لإظهار المبادرة إلى طاعة الله _ تعالى _، وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة.
والأضحى بخلافه؛ ولأن في الأضحى شرع الأضحية، والأكل منها. فاستحب أن يكون فطره على شيء منها ([9]).
قال ابن القيم: (وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات. ويأكلهن وتراً. وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته)([10]).
التجمل في العيد
يستحب أن يتنظف ويلبس أحسن ما يجد، ويتطيب ويتسوك.
قال الإمام مالك: (سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد)([11]).
قال ابن القيم: (وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين ومرّة برداً أحمر)([12]).
وهذا اليوم يجتمع فيه الناس فينبغي أن يكون المسلم على أكمل هيئة وأتمها إظهاراً لنعمة الله عليه، وشكراً له، لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
وهل هذا خاص بغير المعتكف؟!
الصحيح أنه عام يشمل المعتكف وغيره. فينبغي للمعتكف أن يخرج إلى الصلاة متنظفاً متطيباً لابساً أحسن ثيابه. وهل خروجه من معتكفه لصلاة العيد أم يخرج بغروب الشمس ليلة العيد؟ قولان لأهل العلم.
ولا بأس بحضور النساء مصلى العيد، لكن لا يلبسن الثياب الفاخرة، ولا يتطيبن، ويعتزلن الرجال، فلا يختلطن بهم، ويعتزل الحُيّض المصلى، ومن شاهد واقع النساء اليوم رأى ما آل إليه حالهن من مخالفة للسنة، وتعمّد للوقوع في المحظور!! ذلك أنهن يلبس أجمل الثياب، ويتطيّبن بأحسن الأطياب، ومنهن من لا يبالين بالتبرج والسفور، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخروج إلى المصلى والرجوع منه
يستحب التبكير إلى العيد بعد صلاة الصبح، والدّنو من الإمام ليحصل له أجر التبكير، وانتظار الصلاة، والدنو من الإمام من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى لأحد. ويستحب أن يخرج ماشياً، وعليه السكينة، والوقار، وأن يخالف الطريق، فيذهب من طريق ويرجع من طريق.
قال ابن القيم في سياق هديه صلى الله عليه وسلم صلاة العيد والخروج إليها: (وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشياً.
وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد فيذهب من طريق ويرجع من آخر. فقيل ليسلم على أهل الطريقين.
وقيل لينال بركته الفريقان، وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق. وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، وقيام شعائره. وقيل:لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة، حتى يرجع إلى منزله. وقيل: وهو الأصح إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله منها([13]). وقال: (وكان ابن عمر مع شدة إتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس، ويكبرّ من بيته إلى المصلى)([14]).
اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد
إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد سقطت الجمعة، عمن صلى العيد. لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد.
وتجب على الصحيح صلاة الظهر على من تخلّف عن الجمعة لحضوره العيد، والأولى بكل حال أن يصلي العيد والجمعة طلباً للفضيلة، وتحصيلاً لأجريهما. والله أعلم.
قال ابن القيم: (ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة)([15]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
الهوامش
([1]) لسان العرب، مادة: عود ج3 ص 319، وحاشية الروض ج2 ص 492، وحاشية ابن عابدين ج 2 ص165.
([2]) أخرجه أبو داود في باب صلاة العيدين (1/675/1134) والنسائي (3/179) وأحمد (3/103). والحاكم في المستدرك ( 1/294). وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
([3]) المغني لابن قدامة ح3 ص257.
([4]) رواه مالك في الموطأ (1/ 177).
([5]) إرواء الغليل (2/104).
([6]) زاد المعاد ح1 ص 442.
([7]) رواه البخاري انظر: فتح الباري ح2 ص447.
([8]) رواه الترمذي (542) وابن ماجه (1756).
([9]) المغني ح3 ص259.
([10]) زاد المعاد ح1 ص441.
([11]) المغني ح3 ص 258.
([12]) زاد المعاد ح1 ص441
([13]) زاد المعاد ح1 ص 449.
([14]) زاد المعاد ح1 ص 442.
([15]) زاد المعاد ح1 ص448.
(المرجع):كتاب أحكام العيدين وعشر ذي الحجة لفضيلة الشيخ عبدالله الطيار رعاه الله