مقالة جدلية :هل لكل سؤال جواب ؟
مقدمة : يعيش الانسان في علم مليء بالظواهر والاحداث, فيسعى الى معرفةاسرارها واكتشاف حقائقها وذلك بواسطة ماوهبه الله من فطرة حب الاطلاع ,لانه دائما يسعى الى تحصيل المعرفة تجاوزا لحالة الجهل التي ولد عليها ,ولا يتسنى له ذلك الى بتوظيف قدراته العقلية التي تعتمد على السؤال كاداة اساسية لان السؤال يعتبر الوسيلة التربوية التي تستدعي المعرفة , او الحافز الذي يدفع الانسان الى البحث والتفكير الجاد في موضوع قصد معرفته , لذلك يعتبر السؤال هو الطلب او المطلب وبه يسعى الانسان لبلوغ المعرفة والغوص فيها اكثر , ومن هنا يقع الانسان في تساؤلات تجعله حائرا بين النفي والاثبات. فهل يمكن الجزم باننا نستطيع الاجابة عن كل الاسئلة ؟
ولتحليل هذه المشكلة نجد بعض الفلاسفة والباحثين انصار الاتجاه الاول يؤكدون على انه لابد ان يكون للسؤال جواب (لكل سؤال جواب) حيث اكد الباحثون انه بامكاننا في واقع الحال الاجابة عن الكثير من الاسئلة التي تواجهنا رغم التنوع والاختلاف , ومعرفة الاجوبة لكل مااكتسبناه وتعلمناه وألفناه واعتدنا عليه , وهذا يبرر مجال الاسئلة التي بالامكان الاجابة عنها رغم اختلافها من الانسان العامي الى رجل العلم الى المفكر الفيلسوف كالاسئلة البسيطة المبتذلة التي تعد سهلة بديهية لا تثير اي قلق او ارباك في الاجابة عنها مثل : مااسمك؟ كم عمرك ؟…..الخ , فهي اسئلة لاتستدعي تفكيرا وتقدم عليها اجوبة فورية , كذلك الحال بالنسبة للاسئلة المكتسبة التي تتحكم فيها ظروف الحياة اليومية للانسان وما الفه واعتاد عليه من فعل ورد فعل للتواصل مع الاخرين بطريقة عفوية تلقائية مثل : متى استقلت الجزائر ؟… يضاف الى هذا مايتعلمه الفرد ومايكتسبه من معطيات علمية مضبوطة مستمدة من الواقع ,فيتلقاها ويحفظها ثم يوظفها في تعاملاته مثل : لماذا يتبخر الماء ؟هل الماء جسم مركب ام بسيط ؟…..اما الاسئلة العملية (اسئلة الوضعيات العملية) فهي نوع من الاسئلة التي تضع الانسان في مواقف عملية محرجة تدعوه الى توجيه فكره وتحريك ذكاءه للبحث عن مخرج مناسب لايجاد حلول عملية , كما يوجد صنف اخر من الاسئلة فبالرغم مما تثيره من احراج وتوتر يمكن الاجابة عليها وهي الاسئلة الانفعالية وهذا مااكده رجال الدين والفقهاء عندما يطرح عليهم سؤال حول قضية صعبة تتطلب حلا شرعيا استعجاليا في مجال الدين والدنيا او مايعرف بالفتوى ومثال ذلك :هل الغناء حلال ام حرام ؟مكروه ام مستحب ؟…..فاستطعنا الاجابة عنها وذلك بالاستنجاد بالمجال الديني .الاجتماعي.الاخلاقي , فهي تدعونا الى توسيع معارفنا بطبيعة الانفعال والتكيف والتاقلم مع الاجابة.
نقد: صحيح ماذهب اليه انصار الموقف ا لاول بان لكل سؤال جواب, ولكن هناك بعض الاسئلة استعصت الاجابة عنها وهي اسئلة تحير العقل وتدهش الانسان وتسبب له الاحراج والتوتر خاصة كتلك التي تطرح حول القضايا الكبرى للحياة والكون والمشكلات العالقة التي تبحث عن حلول فكيف نفسر هذا النوع الذي لم نستطع الاجابة عنه؟
وفي النقيض ذهب الاتجاه المخالف الى القول بانه ليس بالضرورة القول بانه يمكن ايجاد جواب لكل سؤال (ليس لكل سؤال جواب) وباننا لانستطيع الاجابة عن كل الاسئلة ودليلهم في ذلك انه هناك حالات يتعذر فيها ايجاد جواب للاسئلة ,ففي حالة البحث عن مصدر الشيء كان تكون على شكل مفارقة يصعب ترجيح طرف عن اخر ومثال ذلك اسبقية الدجاجة عن البيضة فايهما يكون مصدر للاخر؟ فنقول بانها قضية لايزال الموضوع الفلسفي يبحث عن حل لها , وهناك ايضا بعض الاسئلة التي تثير القلق والتوتر النفسي والعقلي والدهشة والاحراج في نفسية الباحث ومثال ذلك : هل الاستنساخ خير ام شر ؟ ضار ام نافع؟ وهذا السؤال يثير اسئلة اخرى تنبثق منه مثل :ماهو الاستنساخ؟وهل يكون خيرا بالنظر الى النية منه ام الى ظروف وشروط اجرائه ام الى نتائجه؟ وكذلك الحال بالنسبة للسؤال هل هو نافع ام ضار ؟تتولد عنه اسئلة اخرى مثل ; ماهومعيار النفع؟,فهذا النوع من الاسئلة يبقى معلقا يبحث عن جواب,ونجد ايضا حالة اخرى يتعذر فيها ايجاد جواب للسؤال فيكون اساسا في الاجابات المتناقضة في بعض المسائل المختلفة لاسيما في مفهوم النهائي واللانهائي فهي حقيقة معقولة بالنسبة لعلم الرياضيات بحيث تتضمن المسافات المحدودة داخلها مسافات غير محدودة بينما في علم الفيزياء فان اللانهائي لامعنى له في حقيقة نظام الكون وهكذا يكون الجواب متعذرا ,اما الحالة الموالية في تعذر ايجاد جواب للسؤال المطروح فهو يحتل موضع الحيرة في الشيء الذي يحتضن نقيضه مثل : هل التسامح يحتضن اللاتسامح ؟.. اضافة الى هذا نجد اسئلة تطرح عن حقيقة الانسان في الوجود مثل التي طرحها باسكال وهي :لماذا فرضت علي هذه القامة القصيرة ؟ لماذا ولدت في هذا البلد؟ فلا يمكن ايجاد جواب مقنع لها ,كذلك تساؤلات سقراط التي لم يجد لها جوابا وذلك لما كان يتجول في شوارع مدينة اثينا ويسال الناس عن الحق والعدل والصداقة… لذلك فالاسئلة الفلسفية هي التي تتجاوز الجواب الى سؤال جديد لان في الفلسفة السؤال اهم من الجواب لقول كارل ياسبيرس ” ان الاسئلة في الفلسفة اهم من الاجوبة بل ينبغي على كل جواب ان يتحول الى سؤال “.
نقد: صحيح ماذهب اليه انصار الموقف الثاني بانه ليس لكل سؤال جواب,لكن رغم صعوبة بعض الاسئلة كتلك التي كانت تحير العقل قديما ولم يصل فيها الى اجوبة استطاع تطور الفكر البشري ان يجد حلول لها بادوات ووسائل مختلفة حتى قيل (من قال لاادري فقد اجاب عن السؤال).
التركيب والاستنتاج :من خلال الموقفين نجد دوغمائية في الطرح حيث ان الموقف الاول اثبت بان لكل سؤال جواب والموقف الثاني نفى الاجابة عن كل الاسئلة في حين ان الاسئلة ليست على شاكلة واحدة ويمكن حصرها في صنفين فمنها البسيطة السهلة التي يمكن الوصول فيها الى جواب وعلى راسها السؤال العلمي ومنها الصعبة المستعصية التي تبقى عالقة تبحث عن حل ملائم ومقنع لها وعلى راسها السؤال الفلسفي.
خاتمة: وفي الاخير نستنتج ان لكل سؤال جواب ولكن هناك حالات يعسر ويتعذر فيها الجواب او يعلق بين الاثبات والنفي.وربما من باب فضول الفلاسفة والمفكرين الاهتمام بالسؤال اكثر من الجواب باعتباره المحفز والدافع للبحث والتفكير.لذلك كانت الفائدة من طرح السؤال غاية عظمى في اسمى المعاني لان البحث عن الحقيقة عمل مستمر.