أهم المراحل التاريخية، التي مرت بها القدس قبل العصر الإسلامي
أهم المراحل التاريخية، التي مرت بها القدس قبل العصر الإسلامي
أهم المراحل التاريخية، التي مرت بها القدس قبل العصر الإسلامي
قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، هاجرت قبائل عربية، من شبه الجزيرة العربية، إلى الشمال بسبب القحط. وكان أسبقهم في الهجرة الفينيقيون، حيث أقاموا على سواحل البحر المتوسط، وتطوروا، حتى أصبحوا أصحاب حضارة. وإلى الجنوب من الفينيقيين نزلت قبائل عربية أخرى، أشهرها قبائل الكنعانيين، بعد خمسمائة سنة من هجرة الفينيقيين ـ أي قبل الميلاد بألفين وخمسمائة عام. واستقرت قبائل الكنعانيين على ضفة نهر الأردن الغربية، منسابة نحو البحر المتوسط. وسميت هذه الأرض باسم ( أرض كنعان ) وهو اسم يكثر وروده في التوراة.
ويرد ذكر العرب في العهد القديم ـ كتاب اليهود المقدس ـ في أكثر من موضع. ففي سفر إِرميا "وكل ملوك العرب، وكل ملوك اللفيف الساكنين في البرية" ، ويبدو ذلك واضحا عندما يخاطب النبي حزقيال مملكة صور الفينيقية بما نصه: "العرب وكل رؤساء قيدار، هم تجار يَدِكِ بالخرفان والكباش والأعتدة ... والذهب أقاموا أسواقك" .
ومما يجدر ذكره، أن بعض النصوص في اللغتين البابلية والآشورية والعبرية، تشير إلى استخدام لفظ "عرب" كمدلول جغرافي لإقليم بعينه في منطقة فلسطين. ورد في سفر إشعياء ما نصه: "وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تَبيتينَ يا قوافل الددانيين".
وقبل الميلاد بمئات السنين، نزلت بالساحل المطل على البحر المتوسط، في يافا وغزة، قبائل من جزيرة ( كريت ) تسمى قبائل ( فلسطين ). واختلط الكنعانيون بالمهاجرين الجدد من ( كريت )، وتمازجوا، وشكلوا خليطا يغلب عليه الدم العربي، وعاشوا في تلك المنطقة التي سميت ( فلسطين ).
وفي الشمال الشرقي لنهر الأردن كانت تعيش قبائل ( الآراميين )، الوافدة من حوض نهر الفرات بعد ازدحام هذا الحوض بالوافدين من جزيرة العرب، وهم المعروفون في الكتب المقدسة باسم ( السوريون )، وكانت عاصمتهم دمشق. وإلى جنوب البحر الميت كانت تسكن مجموعة من الآراميين في ثلاث ممالك ( عمون ـ مؤاب ـ أدوم ).
1. إبراهيم والمرحلة المبكرة للمعبد
كان إبراهيم ـ من الساميين الذين سكنوا العراق؛ إذ كان الساميون يقطنون أواسط أرض العرب، وشمالها، وإليهم ينتسب الآشوريون والعرب.
عاش إبراهيم فترة في العراق، التي ولد بها، ثم هاجر إلى أرض كنعان، ماراً بمنطقة الآراميين، وهذا "المرور" أو "العبور"، هو الذي سُمِّيَ بنو إسرائيل من أجله بالعبرانيين. فهم "عبرانيون" لأنهم عبروا نهر الفرات إلى أرض الشام. وكانت هذه المرحلة في عام ألفين قبل الميلاد، ومنذ ذلك التاريخ، استقر العبرانيون في أرض كنعان، ولكنهم عاشوا في عُزْلَةٍ عن بقية الشعوب هناك، لابتعادها عن الدين الصحيح.
ظل إبراهيم فترة في أرض الشام، ثم نزل إلى مصر، بعد قحط أصاب بلاد كنعان. ولم يَطُلْ بقاؤه في مصر؛ إذ طمع فرعونها في زوجته سارة، وكانت الفترة التي نزل فيها مصر معاصرة لفترة حكم الهكسوس. ثم عاد إبراهيم إلى أرض كنعان خارجا من مصر، بعد أن نجّى الله زوجته سارة من فرعونها الذي أهدى لسارة جارية هي ( هاجر ). وكانت هاجر قد وقعت أسيرة في السبي، وتملكها فرعون مصر في ذلك الزمان.
غير أن "سارة" بدورها أهدت (هاجر) إلى إبراهيم فاتخذها زوجة، ورزقه الله منها إسماعيل ـ فكان ولده البكر. ثم نقل إبراهيم، هاجر وولدها إلى أرض أخرى، هي مكة، في شبه جزيرة العرب. وقد صوّر الله على لسان سيدنا إبراهيم هذا الموقف في قوله: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون . وكان إبراهيم يزور ذريته في مكة من وقت إلى آخر.
وشبّ إسماعيل، في مكة وتزوج من قبيلة جرهم العربية، الذين كانوا سادة مكة. ومن نسله ـ جاء العرب المستعربة، ورفع إبراهيم وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ قواعد الكعبة المشرفة، في مكة المكرمة، كما ذكر القرآن الكريم. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
ظل إبراهيم مقيماً في أرض كنعان بعد بناء الكعبة. وأصبحت هذه البقعة من أرض الشام مَهْجراً له، بعد أن نشأت له ( ) فيها الذرية واتخذ فيها مكاناً يعبد الله فيه. وكان هذا المكان يمثل المرحلة المبكرة جداً لقداسة هذه البقعة.
قال ابن تيمية: "فالمسجد الأقصى، كان من عهد إبراهيم لكن سليمان بناه بناء عظيماً" . وقال ابن كثير: "إبراهيم لما قدم الشام، أوحى الله إليه، إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك، فابتنى إبراهيم مذبحاً شكراً لله على هذه النعمة. وضرب قبة شرقي بيت المقدس" .
2. الأرض المقدسة والمعبد في عهد إسحاق ويعقوب عليهما السلام
بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة، وُلِد لإبراهيم، ولده إسحاق، وكان ميلاده في أرض كنعان. وتزوج إسحاق وَوَلَدَ وَلَدَيْنِ هما: ( يعقوب ) و( عيصو )، وكانت النبوة في نسل يعقوب دون ( عيصو ). ويعقوب هو ( إسرائيل ) الذي انتسبت إليه ( بنو إسرائيل )، لأن النبوة لم تخرج من بعده إلا من عقبة.
وفي عهد يعقوب ـ أعيد بناء المعبد الذي كان إبراهيم ـ قد اتخذه قبة يتعبد فيها.
وحدث خلاف بين يعقوب وعيصو، وتوعد عيصو أخاه بالأذى، في قصة يذكرها ابن كثير في البداية والنهاية . فأمرت زوجة إسحاق ولدها يعقوب، بأن يذهب إلى أخيها ( لابان )، الذي بأرض حران، وأن يبقى عنده حتى يسكن غضب أخيه، وأن يتزوج من بناته. فخرج يعقوب تنفيذاً لأمر أمه في آخر ذلك اليوم، فأدركه المساء في موضعٍ، فجعل حجراً تحت رأسه ونام. وقد رأى في نومه معراجاً منصوباً من السماء إلى الأرض، والملائكة يصعدون فيه وينزلون. فهبّ من نومه مستبشراً بما رأى، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالماً لَيَبْنِيَنَّ في هذا الموضع معبداً لله عز وجل، وأن يكون له عُشُرُ ما يرزقه من كل شيء. ثم عمد إلى ذلك الحجر، فجعل عليه دهنا، ليتعرف به عليه، وسمي ذلك الموضع ( بيت إيل ) أي: بيت الله، وهو موضع بيت المقدس اليوم، الذي بناه يعقوب ـ بعد ذلك .
ويذكر ابن كثير، أن يعقوب لما عاد من رحلته التي أمرته بها أمه، وكان الله تعالى، قد فتح عليه بمالٍ وثروة عظيمة، "مرّ على قرية أورشليم، فنزل عند القرية، واشترى مزرعةً كبيرة بمائة نعجة، فضرب هنالك فسطاصه ( خيمته )، وابتنى مذبحاً أمره الله ببنائه". قال ابن كثير: وهو بيت المقدس، الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام، وهو مكان الصخرة، التي جعل عليها يعقوب علامة بوضع الدهن عليها.
3. الأرض المقدسة والمعبد في عهد موسى
تعاقبت السنون، ومرت القرون، ومكان ( بيت إيل ) مقدس لدى المؤمنين من بني إسرائيل. ولمّا دخل بنو إسرائيل مصر، في زمن يوسف ثم خرجوا منها في عهد موسى سنة 1350 ق.م.، بدأت مرحلة جديدة من تعلق بني إسرائيل بالأرض المقدسة، لأنهم خرجوا من مصر في الأساس، لكي يعودوا إلى أرض بيت المقدس، بعد أن يجاهدوا الوثنيين الذين استوطنوها.
ولكن حدثت من بني إسرائيل المخالفة تلو الأخرى، ونكثوا عن جهاد أعدائهم الوثنيين، حتى عوقبوا بالتيه. وقد فصّل لنا القرآن في هذه الأحداث، بما فيه العبرة والدروس.
وظل بنو إسرائيل في التيه، في صحراء سيناء مدة أربعين سنة، محرومين من الدخول إلى أرض بيت المقدس تأديباً لهم. وخلال تلك المدة حدثت أمور عجيبة وخوارق كثيرة ـ كما يحدثنا القرآن ـ من تظليلهم بالغمام، وإنزال المن والسلوى عليهم، ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء، تحمل معهم على دابة، فإذا ضربها موسى بعصاه، انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا، تجري لكل شعب منهم عين. وهناك في التيه نزلت التوراة، وشُرعت لهم الأحكام، وبُنيت ( قبة العهد ) ويقال لها ( قبة الزمان ) أو ( خيمة الاجتماع ). وهي القبة التي وُضع فيها ( تابوت الشهادة ) المذكور في سورة البقرة في قوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ.
قال ابن كثير: "وهذا التابوت، كان بنو إسرائيل يستنصرون به على الأعداء بعد ذلك. وفي التيه توفي هارون ثم بعده بثلاث سنين تُوفي موسى " . وكان موسى ـ قد طلب من الله تعالى، أن يقبضه قريبا من الأرض المقدسة، فأجابه إلى ذلك، ومات قريبا منها بقدر رمية حجر.
4. الأرض المقدسة والمعبد في عهد يشوع بن نون
تُحدثنا التوراة، أن موسى تُوفي وأرض الميعاد على مرمى بصره، فتولى يشوع بن نون، وهو يسمى أيضاً "يوشع"، قيادة بني إسرائيل، وعبروا نهر الأردن، واحتلوا ( أريحا ) بعد تدميرها، وسفك دماء أهلها . وكذلك فعلوا بمدن عاي والجلجال وسيلوح، وبقية المدن الكنعانية، التي احتلوها أثناء تقدمهم إلى يبوس ( القدس ). وخلال غزو بني إسرائيل لفلسطين بقيادة يشوع، اتحد ملك اليبوسيين ( أدوني صادق ) مع أربعة من الملوك المجاورين ( ملك حبرون ـ ملك ميرموت ـ ملك لخيش ـ ملك عجلون ) وتصدوا ليشوع بن نون، إلا أنهم وقعوا في الأسر فأعدمهم. وعلى الرغم من ذلك لم يتمكن بنو إسرائيل من احتلال يبوس ( القدس ) نفسها، إذ كانت محصنة تحصينا منيعا، حيث قاومهم اليبوسيون، الذين اتحدوا مع ملك حاصور ضد يشوع، إلا أنهم انهزموا أيضا وتشتت شملهم . ومع ذلك لم يتم الاستيلاء على يبوس ( القدس ) إلا بعد وفاة يشوع، حيث حاصرها بنو اسرائيل ودمروها. ولكنهم لم يستطيعوا الاستيلاء على قلعة اليبوسيين ( حصن صهيون فيما بعد ) وبقيت في أيديهم مدة عهد القضاة، وفترة حكم الملك شاءول، أول ملوك بني إسرائيل.
وكان يشوع، قد شرع قبل وفاته في تقسيم فلسطين، إلى أنصبة قبلية بين أسباط بني إسرائيل الأثني عشر. ووقعت مدينة القدس، في سبطي يهوذا وبنيامين. ولكن على الرغم من هذا التقسيم، ظلت القدس مدينة يبوسية حتى عصر داود. جاء في الفقرة 63 من الإصحاح 15 من سفر يشوع: "وأما اليبوسيون الساكنون في أورشليم ( القدس ) فلم يَقْدِر بنو يهوذا على طردهم، فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم".
5. الأرض المقدسة والمعبد في عهد داود
لمّا فتح داود مدينة يبوس ( القدس ) عام 996 ق.م. نقل التابوت إليها، وأعدّ بها مساحة منبسطة، ليشيد عليها الهيكل المقدس، وجهز المواد اللازمة للبناء. ولكنه لمّا أحس أن الأجل لن يمهله حتى يكمل بناء المعبد، أخذ عهدًا من ابنه سليمان بأن يُتم بناءه. ويقول أهل الكتاب إنّ داود نوى أن يبني المعبد ليضع فيه التابوت، تنفيذًا بما أمره الله به، فجمع له من الذهب، والفضة، والأحجار الكريمة الشيء الكثير . وهذا يفسّر اتخاذ اليهود النجمة السداسية شعاراً لهم وتسميتها "نجمة داود"، ذلك لأنها تمثل قاعدة الهيكل الذي نوى داود إقامته.
واشتهر داود ـ بإنجازات أخرى، منها القصر الذي شيده في القدس، وبناه معماريون من ( صور ) أرسلهم صديقه الفينيقي ( حيرام ). ومنها شعره؛ فإليه نسبت ( المزامير ) .
6. الأرض المقدسة والمعبد في عهد سليمان
ولد سليمان في القدس، ونشأ بها، وتولى عرش المملكة بعد أبيه داود واستمر ملكه لمدة أربعين سنة من ( 963 ـ 923 ق.م. )، وبنى هيكلاً وتحصينات وثكنات.
جاء في سفر الملوك الأول: "فبنى سليمان البيت وأكمله، وبنى حيطان البيت من داخل، بأضلاع أَرْزٍ من أرض البيت، إلى حيطان السقف، وغَشَّاه من داخل بخشب، وفرش أرض البيت بأخشاب سَرْوٍ، وبنى عشرين ذراعاً من مؤخر البيت بأضلاع أرزٍ من الأرض إلى الحيطان، وبنى داخله لأجل المحراب أي قدس الأقداس. وأربعون ذراعاً كانت البيت أي الهيكل الذي أمامه. وأرز البيت من داخل كان منقوراً على شكل قِثاء وبراعم زهور. الجميع أرز. لم يكن يُرَى حجر. وهيأ محراباً في وسط البيت من داخل ليضع هناك تابوت عهد الرب. ولأجل المحراب عشرون ذراعاً طولاً وعشرون ذراعاً عرضاً وعشرون ذراعاً سمكاً. وغشاه بذهب خالص وغَشىَ المذبح بأرز. غَشىَ سليمان البيت من داخل بذهب خالص. وسد بسلاسل ذهب قُدام المحراب. وغشاه بذهب" . ويذكر المؤرخون أن ذلك البناء كان سياجاً من بناء يضم عدة أجنحة .
وبعد وفاة سليمان، انقسمت المملكة في عهد ابنه "رحبعام" إلى مملكتي إسرائيل ويهوذا، وبقيت القدس ـ وأصبحت تعرف بأورشليم ـ عاصمة يهوذا. ولم تعمر المملكتان طويلا، فانتهت مملكة إسرائيل على يد "سرجون Sargon II "ملك آشور سنة 722 ق.م. وانتهت مملكة يهوذا على يد "نبوختنصرNebuchadnezzar "، ملك بابل الكلداني عام 586 ق.م. وخربت القدس وسُبِيَ عظماء البلاد ونقلوا إلى بابل. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الطابع السياسي لفلسطين، بقي على حاله أثناء وجود المملكتين وبعد زوالهما، من حيث تعدد الحكام، والتفاعل مع مصر جنوبا، وسورية شمالا. وقد ظل العرب اليبوسيون، يعيشون في مدينتهم المقدسة ـ ويسميهم العهد القديم أحيانا "الإسماعيليين" - وتفاعلوا مع الهجرات العبرانية وامتصوها.
7. العودة من السبي وإعادة بناء المعبد
بعد سقوط مملكتي إسرائيل ويهوذا، احتل "قورش الأخمينيCyrus the Great"، ملك الفرس، بلاد بابل، ومن ثم أصبح له السلطان على أرض يهوذا. ومنذ ذلك الوقت، أطلق الفُرْسُ على شعب يهوذا اسم ( اليهود )، وعلى ديانتهم ( اليهودية ). وأصبحت كلمة ( اليهودي ) تعني من اعتنق اليهودية، ولو لم يكن من بني إسرائيل.
سمح "قورش" لليهود بالعودة إلى فلسطين سنة 538 ق.م. إذ كان على صلة طيبة بهم، ولأنهم كانوا أصحاب دين سماوي. فعادت طوائف من اليهود إلى بيت المقدس، وفضلت طائفة أخرى البقاء في أرض بابل. وعمدت الطائفة العائدة، إلى إعادة تعمير المدينة المقدسة. فأُعيد بناء المعبد مرة أخرى. ولكن عودتهم كانت عودة شعب بلا دولة، فقد كانت السيطرة للفرس. ثم مع توالي العهود، بدأ الفرس يشتدون على اليهود، حتى تذمروا من بطشهم. وفي هذه الأثناء زحف الإسكندر الأكبر سنة 333 ق.م. على فلسطين، ورحب به اليهود، وظل بيت المقدس فترة تحت حكم الإسكندر، ثم آل الأمر فيه إلى البطالمة. فعاشت القدس جواً من التسامح. وفي عهد الحاكم "بطليموس فيلادلفيوسPtolemy Philadelphus " محب العلم، تُرجمت التوراة إلى اليونانية على يد سبعين عالماً يهوديّاً دعاهم إلى مصر للقيام بهذه المهمة .
8. غزو الرومان وتجديد بناء المعبد
اكتسح الرومان فلسطين، عام 63 ق.م. واستولوا على القدس، وتم تنصيب "هيرود Herod the Great" الروماني ملكا على فلسطين. وقد حاول هيرود استرضاء اليهود، فبنى الهيكل، الذي كان قد أصابه القدم على نسق هيكل سليمان. وظل المعبد على هذه الحالة، حتى جاء نبي الله زكريا وابنه يحيى، عليهما السلام، وعيسى بن مريم ابن خالة يحيى ـ عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
9. المعبد على عهدّي يحيى وزكريا عليهما السلام
كان المعبد قائماً في عهدي يحيى وزكريا، لأن أم مريم، عليها السلام، كانت قد نذرت أن تهب مريم لخدمة بيت المقدس، قال تعالى: إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ . فالنذر كان لخدمة المعبد المقدس. وكفل زكريا مريم عليها السلام، وكان حينئذ رئيساً للهيكل. كما أنه دعا ربه أن يرزقه الذرية الطيبة، فجاءته البشرى بيحيى وهو قائم يصلي في محراب الهيكل.
ثم إن اليهود قتلوا زكريا ـ ونشروه بالمنشار، كما قتلوا ولده يحيى ـ
10. المعبد على عهد عيسى
جاء عيسى ـ وأحوال بني إسرائيل في غاية من الفساد والإفساد. فعقائدهم قد طمست، وأخلاقهم قد رَذُلَتْ، وسيطرت عليهم المادية، حتى إنهم اتخذوا من المعبد سوقاً للصيارفة والمرابين، وملهىً لسباق الحمام. فأخبرهم بأن العقوبة الثانية قادمة إليهم على إفسادهم الثاني، "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا، هوَذاَ بيتكم يترك لكم خراباً" .
وقد بَشَّر عيسى بتعاليمه في فلسطين، وهو في الثلاثين من عمره. وأخذت تعاليمه الروحانية تنتشر بين جماهير غفيرة من سكانها؛ مما أغاظ زعماء اليهود الماديين، وكهنتهم المنتفعين.
وواجه عيسى إفساد كهنة الهيكل من اليهود، محذراً إياهم من مَغَبَّةِ جَشَعِهِم وظلمهم. "ولما دخل الهيكل ابتدأ يُخْرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه، قائلاً لهم. مكتوب أنَ بيتي بيت الصلاة، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" . ثم حدث أن السادة والكهنة الغاضبين حرضوا السلطة الرومانية على عيسى وقررت مجالس اليهود الدينية الحكم عليه بالموت، وطالبوا السلطات الرومانية بتنفيذ حكم القتل، في النبي الذي ناضل من أجل تطهير المسجد من إفسادهم، وجاءوا بعيسى وحاكموه. وبعد المحاكمة اعترف الحاكم الروماني ببراءته، فقامت قيامة اليهود قالوا ( كلهم ليصلب ... دمه علينا وعلى بنينا ).
وأُحْكِمَتِ المؤامرة من كفار بني إسرائيل، لقتل آخر أنبيائهم على الإطلاق، ولكن قَدَر اللهِ كان سابقا، بشأن آخر. قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.
11. المدينة المقدسة والمعبد والتدمير الثاني
في عام 70م أقدم أحد ملوك الرومان، وهو الإمبراطور "تيطسTitus Flavius Vespasianus "، على إحراق المدينة المقدسة، وتدمير المعبد الذي أقامه "هيردو". وكان هذا التدمير هو الثاني للمسجد، بعد التدمير الأول، الذي تم في عهد ( نبوختنصر )، وقد أشار إليه القرآن في قوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا.
وكان بطش "تيطس" باليهود إثْر ثورةٍ قاموا بها ضد الرومان. واكتفى تيطس حينئذ بتدمير الهيكل والمدينة، مع إبقاء الحطام مكانه. وجاء بعده طاغية آخر هو "هادريانوسHadrianus " فأزال معالم المدينة وحطام الهيكل، وكان ذلك عام 138م. كما تخلّص من اليهود تقتيلاً وتشريداً. وأقام مكان الهيكل معبداً وثنياً سماه "جوبيترJupiter "على اسم "رب الآلهة" عند الرومان.
12. تدمير الهيكل الروماني الوثني
عندما بنى هادريانوس معبد جوبيتر، لم يكن الرومان قد اعترفوا بالمسيحية. فبقي الهيكل على الهيئة الوثنية، إلى أن تمكنت المسيحية من أرض فلسطين. فدمر المسيحيون معبد جوبيتر من أساسه في عهد الإمبراطور "قسطنطينConstantine "، مفسد النصرانية ومدخل التثليث، وعقيدة الصليب فيها.
وظل مكان الهيكل خالياً من بناء مقام فيه، بقية عهد الرومان النصارى، حتى عهد الإسراء بالنبي في زمن الحاكم الروماني "هرقلHeraclius "، في العام السابق للهجرة. وعندما تمّ الفتح الإسلامي سنة 15هـ / 636م في خلافة عمر بن الخطاب لم يكن لليهود آنذاك وجود بالمدينة، بل إن "سفرونيوسSophronius" بطريرك النصارى، اشترط في عقد تسليم المدينة ألا يدخلها أحد من اليهود.
أهم المراحل التاريخية، التي مرت بها القدس قبل العصر الإسلامي