وجه العديد من المراقبين للشأن المصري انتقادات حادة إلى الإعلام والصحافة في هذا البلد الذي يصارع لتحقيق أهداف ثورته، وذهب البعض إلى حد وصف الصحف والقنوات التلفزيونية المصرية بـ "لسان" يدافع عن السلطة، فارضة رقابة ذاتية قلصت من مساحة حرية الإعلام، هذا في وقت تضيق السلطات على المعارضة بذريعة خوضها "حربا على الإرهاب" ضد المسلحين المتشددين.
يخشى خبراء من أن يؤدي سلوك الإعلام المصري الخاص والرسمي إلى اختفاء الأصوات المعارضة والمنتقدة للسلطة، خصوصا مع تأييد القنوات التلفزيونية إطاحة الجيش بقيادة الرئيس الحالي وقائده السابق عبد الفتاح السيسي بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، ثم تأييد قمع أنصاره.
ومع توالي الهجمات ضد الجيش والشرطة في سيناء، ومعظمها تتبناه جماعة "أنصار بيت المقدس" الجهادية التي أعلنت ولاءها مؤخرا لتنظيم "الدولة الإسلامية"، أصبح لا صوت في الإعلام يعلو فوق صوت "الحرب على الإرهاب" وهو الشعار الذي ترفعه الحكومة في حربها ضد المتشددين.
وتدريجيا أصبح الخبراء الأمنيون والعسكريون والمسؤولون التنفيذيون يحتلون مساحات كبيرة من البرامج التلفزيونية السياسية المسائية للحديث عن الشـأن العام في مصر، وهي أصوات تؤيد السلطة بشكل مطلق.
واختفى ظهور النشطاء الشباب الذين عادة ما يوجهون انتقادات للسلطة، وسط حملات إعلامية تستهدف الشباب والإعلاميين الداعمين للثورة التي أطاحت الرئيس الأسبق حسني مبارك في العام 2011 وتتهمهم بأنهم "عملاء ومأجورين".
وفي أعقاب اعتداء دام في سيناء أوقع 30 قتيلا في صفوف الجيش نهاية الشهر الماضي، سارع رؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة إلى إصدار بيان يتعهدون فيه "دعم إجراءات الدولة ضد الإرهاب". كما أعلنوا "رفضهم التشكيك في مؤسسات الدولة أو التطاول على الجيش أو الشرطة أو القضاء بما ينعكس بالسلب على أداء هذه المؤسسات".
معركة الرأي الآخر
احتج قرابة 500 صحافي على بيان رؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة الداعم للسلطة في حربها على الإرهاب، بإصدار بيان اعتبروا فيه أن رؤساء التحرير يدعون عمليا إلى العودة لـ"عصور الاستبداد والقمع وسيادة الرأي الواحد".
وأوقفت قناة أم بي سي برنامج باسم يوسف الساخر "البرنامج" الذي كان يتمتع بجماهيرية واسعة قبل أيام من انتخاب السيسي رئيسا في حزيران/يونيو الماضي بعد تقديمه فقرة تضمنت انتقادا غير مباشرا للسيسي.
باسم يوسف التزم الحذر حين سئل عن أسباب وقف برنامجه لكن حديثه يعكس قلقا واضحا لدى الإعلاميين غير الموالين للسلطة.
أما يسري فوده، الذي كان برنامجه "آخر كلام" مفتوحا للناشطين المعارضين، فأعلن الشهر الماضي انتهاء تعاقده مع قناة "أون تي في" الخاصة وتوقف برنامجه من دون أن يكشف الأسباب.
السلطة تؤمن بحرية الرأي؟
يولي السيسي اهتماما جليا بدور الإعلام لكنه يعتقد أن الإعلاميين لا يدعمونه بالقدر الكافي. وأغلقت مصر نحو ست قنوات فضائية إسلامية فور إطاحة مرسي في تموز/يوليو 2013.
من جهته، نفى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية علاء يوسف "أي تدخل للدولة فيما تكتبه الصحف. لا يوجد أي قرار بوقف برامج أو صحف أو صحافيين". وقال إن "الصحف مليئة بالانتقادات الموجهة للرئيس والحكومة. نحن نؤمن بحرية الرأي والتعبير".
غير أن معدي برامج في التلفزيون الحكومي أكدوا أن هناك "قائمة بأسماء 30 ضيفا" فقط مسموح باستضافتهم في البرامج السياسية التي تناقش الشأن المصري. ويقول بلال فضل، أحد أبرز الكتاب المعارضين، أن وضع الإعلام الحالي، "مؤسف وخطير على مستقبل مصر" ولكنه "يعكس تأييد الشارع الكبير" للسيسي.