المدح رفع للمعنويات وتثبيت للإيجابيات وترسيخ للقيم المقبولة والمحبوبة، ولذلك كان مدح الطفل وسيلة تربوية تشبع حاجة كامنة بداخل الإنسان عموماً والطفل خصوصاً.
وهو منهج تربوي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته صغاراً كانوا أم كباراً. ومن كمال مدحه لصحابته إطلاق أفضل الألقاب عليهم من مثل: سيف الله وأسد الله، و أمين الأمة، و الفاروق، و الصّديق، و أكثر أمتي حياءً، و الطيار…
والمدح لا يكون فقط فيما نراه لدى الطفل بل كذلك فيما نحب أن يتصف به من صفات وخلق.. ومدح الطفل بما يمكنه أن يفعل أو يكون. إنّه دفع و تشجيع له نحو الخير.
عندما تقول لابنك لبنك)أحسنت) فإنّك تدفعه إلى البحث عن التصرف الأحسن…
وللأسف نرى كثيراً من الآباء والأمهات يبخلون على أبنائهم بالمدح، بينما تجدهم سباقين إلى التوبيخ واللومسجل لمشاهدة الصور لو رأوا ما لا يرضيهم من أبنائهم. و ترى تركيزهم على أخطاء الأبناء وسوء تصرفاتهم بدل التركيز على الإيجابيات والأعمال الحسنة التي تصدر منهم. و من ثم تكثر الانتقادات وتغيب كلمات التشجيع من قاموس كلمات الأبوين.
و لسنا نغالي أبداً عندما نأكّد: (إن درهماً من المدح أفضل من قنطار من اللوم).سجل لمشاهدة الصورسجل لمشاهدة الصورسجل لمشاهدة الصور
(اعتادت بنت صغيرة أن تذهب إلى المدرسة كل صباح ويداها متسختان…
رأت مدرِّستها أن وسخ يديها يبقى على حاله كلَّ يوم.لم ترد المدرّسة اللطيفة أن تجرح شعور البنت، و قد أحسّت أنها لا تحظى في بيتها بالعناية اللازمة من أبويها، وهكذا حاولت تدارك الأمر بنفسها…
في أحد الأيام توجهت المدرسة إلى تلميذتها و قالت: ما أجمل يديك! لماذا لا تذهبين وتغسلينهما لكي يرى الجميع جمالهما؟…) ذهبت الصغيرة مبتهجة وغسلت يديها وعادت مشرقة الوجه، ثم مدت يديها أمام المدرسة مفاخرة.. ضمتها المعلمة بذراعيها وقالت: (صحيح ما أجملهما! أرأيت الفرق الذي نتج باستعمال قليل من الماء والصابون؟) بعد ذلك صارت الفتاة تأتي إلى المدرسة كل يوم أنظف مما قبله حتى أصبحت أكثر التلميذات ترتيباً…).
لقد تغيرت الفتاة تغييراً إيجابيا بكلمة مدح و تحسنت حالتها.
إن الطفل كلما سمع المدح والثناء لفت انتباهه هذا المديح، وبعث في نفسه الفخر والاعتزاز والدافعية للعمل والإنجاز والقوة لبذل المزيد في كل ما يحقق له مدحاً و رضاً من الآخرين.
والمدح قد يتخذ شكل التلميح والتصريح بشكل مباشر و غير مباشر. و هكذا يمكنك أن توجه المدح إلى الولد مباشرةً و تتناولَ الموضوع صراحةً، أو يمكنك أن تمدحه في معرض حديثك مع صديقك على الهاتف. وكلها وسائل ناجحة في إيصال رسالة المدح و تحقيق السلوك الإيجابي لدى الطفل.
- خطوات ومعايير نحو مدح إيجابي:
قد يستحق الطفل المدح لشخصه وبنوته وقد يستحقه لإنجازاته وحسن ما يصدر عنه. و في كلتا الحالتين هو محتاج إلى إشباع هذه الحاجة النفسية التي هي فطرة إنسانية وحاجة بشرية تبدأ مع الإنسان منذ طفولته وترافقه إلى آخر العمر.
و إذا كان الطفل في أحيان كثيرة يسعى للتفوق والإنجاز والانقياد بدافع إرضاء الوالدين فإنه يبقى بحاجةٍ إلى المدح لتعزيز هذه السلوكيات الإيجابية لديه وبناء الثقة في قدرته وسلوكياته.
خطوات عملية:
1. وجِّه تركيزك على الإنجاز أكثرَ من تركيزك على الشخص لذاته:
ينبغي الحرص أكثر على كل ما يصدر عن الطفل من إنجازات مهما كانت ضئيلة في نظرنا، فهي لدى الطفل كبيرةٌ بالقياس مع قدراته الذاتية. و الإنجاز هو كل سلوك يصدر عنه أو خلق يتصف به. ينبغي اجتناب التعميم الذي لا يرسمُ للولد خطوات الطريق نحو الإنجاز، و غنما يجبُ توجيهُ عباراتٍ محدّدةً على منوال الأمثلة التالية:
ما أروعك لأنك هادئ! كم أحبك لكلامك الطيب! ابني رائع؛ لأنه يحافظ على الصلوات الخمس في وقتها…
2. امتدح محاولات الطفل و ليسَ منجزاته و حسب:
الطفل في بدايات نموه يحاول فينجح أحياناً و لا ينجز أحياناً أخرى… وهذه سنّة الله في خلقه، فينبغي أن نشجع كل المحاولات وأن نعد كل فشل خطوة نحو النجاح والإنجاز، ولنحذر من تحبيط الطفل أثناء محاولاته.. لئلا يصاب بخيبة الأمل وتضعف ثقته في قدراته.
ولنقتدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في أحلك الظروف وحصار الأحزاب يعِد أصحابه بالنصر والتمكين و يزرع لديهم الثقة في نصر الله ثم في قدرتهم على الصبر والثبات والنجاح.
(الفشل خطوة نحو النجاح.. ومن الفشل يتعلم الإنسان)
3. مدح ابنك تعبيرُ عن رغبتك فيه و قبوله:
إنَّ مدحك لابنك يزرع لديه الشعور بأنه مرغوب فيه و يبثُّ فيه الطمأنينة. و أما غياب مدحك لأبنائك فيوحي إليهم بأنك لا تحبهم أو لا يهمّك أمرهم أو أنك لا تعترف بقدراتهم واستقلاليتهم. ومن هنا تنشأ الشخصيات الضعيفة المنطوية غير القادرة على تحقيق النجاح والتفوق ومواجهة الظروف الاجتماعية و النفيسة.
4. امدح وأنت مقتنع ولا تجامل:
الطفل يعرف بإحساسه وذكائه متى تكون صادقاُ في مدحك ومتى تكون مبالغاً ومجاملاً. لذلك احرص على مدح كل ما تراه صالحاً فيه ولو صغر، وكل محاولة صالحة لديه ولو لم تتم. و ابتعد عن أسلوب المدح للمدح أو التفاخر أو المبالغة المضرة.
5. أعطِ ابنك حقه من المديح قبل أن تذبل فرحته بالنجاح:
يتعزّز الإنجاز لو أسرعت بالمدح ساعة تحقيقه وهو أحسن المدح و أكثره نجاعة و إيجابية. كما أن لحظة الإنجاز عادة ما ترافقها مشاعر السعادة والفرح وهي لحظات مهمة لربط الطفل بكلمات إيجابية تصبح جزءاً من دوافعه الإيجابية على مر الزمان.
لو سمع منك ابنك كلمة (ما شاء الله) أو (ما أروعك!) في لحظات سعادته بإنجاز ما فإنَّ هذه الكلمات تترسّخ في ذهنه مرتبطةً بكل المشاعر الإيجابية و تصبحُ حافزاً نحو العمل والإنجاز. ويمكنك استعمالها وسائل َربطٍ لتوجيهه وتعليمه.
إن المسلمين ارتبطت مشاعر القوة والاطمئنان لديهم بعبارة: (الله أكبر) وهم يكررونها في الصلاة باستمرار، وبالتالي تحولت هذه الكلمة إلى ربط إيجابي يرفع المعنويات ويزرع الحماس والجرأة، و بها يتغلبون على مشاعر الخوف، و هم يرددونها في الجهاد و مواجهة الصعاب و المحن