للشهادتين عدة شروط ، وهي :
الأول : العلم
وهو العلم بمعناها المراد منها نفيا
وإثباتا المنافي للجهل بذلك ، قال الله عز وجل : " فاعلم أنه لا إله إلا
الله " ( محمد : 19 ) وقال تعالى : " إلا من شهد بالحق " ( الزخرف : 86 )
أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم .
وفي الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " .
الثاني : اليقين
وهو اليقين المنافي للشك بأن يكون
قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما ، فإن الإيمان لا يغني فيه
إلا علم اليقين لا علم الظن ، فكيف إذا دخله الشك ، قال الله عز وجل : "
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " ( الحجرات : 15 ) ، فاشترط في
صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا ، فأما المرتاب
فهو من المنافقين - والعياذ بالله - .
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما
عبد غير شاك فيهما فيحجب عنه الجنة " .
الثالث : القبول
وهو القبول بما اقتضته هذه الكلمة بقلبه
ولسانه ، قال تعالى في شأن من قبلها : " إلا عباد الله المخلصين ، أولئك
لهم رزق معلوم ، فواكه وهم مكرمون ، في جنات النعيم " ( الصافات : 40 - 43 )
إلى آخر الآيات ، وقال تعالى : " من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع
يومئذ آمنون " ( النمل : 89 ) وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم
كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ
والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا
وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت
كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ،
ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به "
الرابع : الانقياد
وهو الإنقياد لما دلت عليه ، المنافي
لترك ذلك ، قال الله عز وجل : " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له " ( الزمر :
54 ) ، وقال تعالى : " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجه لله وهو محسن " ( النساء
: 125 ) ، وقال تعالى : " ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك
بالعروة الوثقى " ( لقمان : 22 ) أي بلا إله إلا الله " وإلى الله عاقبة
الأمور " ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن : موحد .
الخامس : الصدق
وهو الصدق فيها المنافي للكذب ، وهو أن
يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه ، قال الله عز وجل : " الم ، أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم
فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " ( العنكبوت : 1-3 ) إلى آخر
الآيات ، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا
من قلبه إلا حرمه الله على النار " .
السادس : الإخلاص
وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع
شوائب الشرك ، قال الله تبارك وتعالى : " ألا لله الدين الخالص " ( الزمر :
3 ) ، وقال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء "
( البينة : 5 ) الآية ، وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه
" .
السابع : المحبة
وهي المحبة لهذه الكلمة وما اقتضته ودلت
عليه ، ولأهلها العاملين بها ، الملتزمين لشروطها ، وبغض ما ناقض ذلك ،
قال الله عز وجل : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب
الله والذين آمنوا أشد حبا لله " ( البقرة : 165 ) ، وعلامة حب العبد ربه
تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه ،
وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه ، واتباع رسوله صلى الله
عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه . وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا
يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد
أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار " ( أخرجاه من حديث أنس بن
مالك ) .
وزاد بعضهم شرطا ثامنا وهو الكفر بما يعبد من دون الله ( الكفر بالطاغوت ) ،
قال صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون
الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز جل " رواه مسلم . فلا بد لعصمة الدم
والمال مع قوله ( لا إله إلا الله ) من الكفر بما يعبد من دون الله كائنا
من كان .
مختصر معارج القبول لمحمد بن سعيد القحطاني ص 119 - 122.