بسم الله الرحمن الرحيم
أخي المؤمن يا من تشكو ضرك للمخلوقين وتشكو مكابدة الحياة وعناء العمل لمن لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً أصلح ما بينك وبين الله ونفذ على نفسك وأهل بيتك ما يحبه الله ويرضاه وخذ بهم وبأيديهم على كتاب الله وعلى سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم اطلب بعد ذلك ما شئت من مولاك يواليك بالعطاء بلا سبب لأن الله يرزق أحبابه بغير حساب كما استجاب لإبراهيم في ذريته وأهله عليهم السلام{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 2، 3الطلاق
كيف تكون مستجاب الدعوة؟ وما الأمر الذي يطلب منك لتنال هذه المكرمة وتكون من أهل تلك المنة؟ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَة أي كل من طريق حلال ليس من غش ولا سرقة ولا خداع ولا ربا ولا تطفيف في كيل ولا غش في ميزان ولا تضييع لوقت العمل فيما لا يفيد وإهمال لمصالح المترددين من العبيد تحت دعوة على قدر فلوس الدولة نعطيها لأنك تعاقدت على ذلك
وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه فإذا أتقنت العمل وابتعدت عن مواطن الزلل وحافظت على فرائض الله وكفى فإنه يكون بينك وبين الله خطاً مباشراً وهاتفاً مستعجلاً تدعوه في أي أمر ما لم يكن إثم أو قطيعة رحم يعجل لك قضاءه في الحال وقد كان على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين والأمثلة في هذا المجال يضيق الوقت عن ذكرها
قال صلى الله عليه وسلم {الرجُل يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربَّ يا ربِّ ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ ومَشْرَبُهُ حَرَامٌ ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ وقَدْ غُذِيَ بالـحَرَامِ فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ}[1]
هناك شيء مهم أحب أن الفت نظركم إليه الذين يدعون الله ألا يستبطأ الإجابة ويقول دعوت ودعوت ولم يستجب لي فقد قال صلى الله عليه وسلم { يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ }[2] فالأمر يحتاج إلى يقين هاجر وإسماعيل عندما أودعها وطفلها بين الصفا والمروة وقالت له: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها فكررت القول ثلاث فلما رأته لم يجبها قالت: أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا ثقة بالله ويقيناً وحسن ظن بالله وقال صلى الله عليه وسلم {حُسْنُ الظّنِّ بِالله مِنْ حُسْنِ الْعِبادَةِ }[3]
فلما أحسنت بالله ظنها فرج الله أمرها فبينما هي تجري مسرعة بين الصفا والمروة بعد نفاذ السقاء الذي كان معها من الماء إذا بها تجد طيوراً عند صغيرها فتسرع إليه خائفة فإذا الماء قد نبع من تحت قدم رضيعها وعلى هذا الماء أمر عجيب في صحراء جرداء لا يرويها نهر ولا يأتيها مطر
تروي الملايين والملايين في كل طرفة عين ولا ينفذ ماؤها ولا يتغير طعمها ولا يعطي منها ماء في الأول يخالف الماء في آخر اليوم فكأنها تنبع من الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإسماعيل عليه السلام عندما حكي له أباه الرؤيا وقال {أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102
ولم يعترض على أمر الله ولم يهرب من أبيه بل عاونه وكان نعم العون له وقال له يا أبت لا تخبر أمي بخروجنا وخرجا وتظاهرا أنهما خارجان للسير فلما وصلا إلى منى قال: يا أبت اشحذ المدية (السكين) حتى تقطع بسرعة
وانزع قميصي من على جسدي حتى لا يقع عليه الدم فتعرف بذلك أمي فتحزن لأجلي وألقني على وجهي حتى لا تنظر إلى قسمات وجهي فتأخذك رحمة في تنفيذ أمر الله فقال له: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ{103} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} (103- 105الصافات)
ونزل الملك بفدائه من الجنة بكبش سمين لتكون سنة عملية لمن يحج ولمن لا يحج إلى يوم القيامة تثبت للناس أجمعين إن المؤمنين الذين يسلمون لأمر الله ولا يعترضون على قضاء الله الذي ليس في وسعهم دفعه ولا منعه يحميهم الله بلطفه وينقذهم الله ببره لأنه نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير عليكم بباب الدعاء عليكم بباب الدعاء
تعلموا آدابه وألزموا أنفسكم بشروطه وادعوا الله في ليلكم ونهاركم في مساجدكم أو في أعمالكم أو في بيوتكم أو في شوارعكم تجدون الله أقرب إليكم من كل شيء لكم أو حولكم وأقرب إليك من مالك الذي في البنك ومن زوجتك التي تنام إلى جوارك على الفراش ومن فلذة كبدك الذي أنفقت عليه آلاف الجنيهات وارحم بك من نفسك وارحم عليك من كل هؤلاء فاستغني بالله يغنيك الله عمن عداه
[1] رواه البيهقي في سننه ومسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه والدارمي عن أبي هريرة
[2] رواه مسلم في صحيحه وابن ماجة في سننه والإمام مالك في الموطأ وأبي داود في سننه عن أبي هريرة
[3] رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة