يعتقد الكثير مع الناس أنّ البكاء على الميت أو الفقد، ودمع العين هو حرام، ولا يجوز، ويعذب الميت في القبر، ولكن هل هذا صحيح؟!
بالتأكيد لا؛ فالحزن صفة إنسانية متأصلة فيه، وجبل عليها، ولعل العين تدمع على فراق عزيز أو حبيب ولا حرج في ذلك أبدًا، على عكس ما يظنه بعض الناس، فلا أحد يملك رد حزن القلب، أو دمع العين، فكل هذا تجده يظهر جبرًا بدافع الرقة والرأفة، ودليل إباحة هذا الشيء ما حدث مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما فاضت عينيه على ابن ابنته، فاستغرب أحدهم وسأله ما هذا، فكان رده صلوات ربي وسلامه عليه أنها رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وكلنا يذكر كلمات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وداع ابنه إبراهيم عند موته: "إنّ العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" متفق عليه.
ومن هنا نجد أن دمع العين والبكاء على الميت رأفة ورحمة به، وحزنًا عليه، لا بأس به؛ لإنّ ذلك من فطرة الإنسان، والإسلام عند مجيئه جاء موافقًا لفطرة الإنسان وليس معارضًا لها.
ولكن هناك بعض التصرفات الشاذة منهي عنها، كالبكاء والصراخ والعويل على الميت سخطًا على قضاء الله وقدره، وجزعًا من مصابه، وما يليها من شق الجيوب، ولطم الوجوه، والنياح على الميت، فإنّ كل ذلك محرم ولا يجوز أبدًا، وهي من أفعال الجاهلية الأولى المنهي عنها، والتي لا يجوز اتِّباعها أو فعلها في أي حال من الأحوال، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "ليس منّا مَن لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"، وقال: "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه" متفق عليه.
وقد ذكر هذا أيضًا الإمام النووي -رحمه الله- أن كل المذاهب أجمعت على أن المقصود النياحة والعويل، ليس دمع العين فقط، فعدم التسليم والرضا بالقضاء والقدر خيره وشره هو محرم، أمّا البكاء على الميت رحمة به من عذاب القبر، وأهوال الحياة البرزخية، وما قد يفضي إليه فلا يكره -والله اعلم-.
وقد ذكر الروياني ذلك أيضًا، إذا ما غلب الدمع صاحبه، ولم يستطع له دفعًا أو حبسًاَ، فلا بأس؛ لأنّ هذا ليس بيده، ولكنّه فطرته الإنسانية، والرحمة التي جبل عليها هي التي أجبرته على ذلك، قال الزركشي: "هذا كله في البكاء بصوت، أما بمجرد دمع العين فلا مانع منه". أما قول النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن الميت يُعذب ببكاء أهله" (متفق عليه)، يكون ذلك إذا أوصى الميت أو الفقيد قبل موته أهل بيته بالبكاء والنياح عليه، ونفذ أهل بيته هذا، فإنّه يعذب ببكائهم.